شروط الغسل والوضوء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل إذا خرج شيءٌ من الفمِ أو الأنف على يدي أو الملابس منِّي أو من أي طفل أو طفلة يؤثِّر على وضوئي؟ وهل يستلزم تغيير ملابسي وقتها؟ وهل إذا أمسكتُ بملابسَ غير طاهرة - لم تُغسَل بعدُ - وجَب عليَّ إعادة غسل يدي؟ أو إنها جافة، ولا يستوجب إعادة الغسل ليدي ولا لملابسي، أو إذا لمست أي شيء ليس بطاهر؛ كصنبور، أو يد باب خلاء، وما إلى ذلك؟ وهل إذا كنتُ أغتسل وسقط ماء على الأرض، أو على ماء، ثم عاد إليَّ، فهل هذا لا يوجب عليَّ إعادة الغسل، حتى ولو كانت الأرض غير طاهرة؟ وإذا مشيتُ في طريق وجاء عليَّ شيء منه، أو من ماء كان فيه، وعلمتُ بعدم طهرِه، فهل يتوجب عليَّ غسل الملابس التي أصيبت منه؟
أسئلة تحيرني وتتعبني؛ ما شروط الغسل؟ وهل يجزئ عن الوضوء؟ أفيدوني؛ جزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فمِنَ القواعد الشرعية: أنَّ الأصل الطهارة؛ فلا ينقل عنها إلا ناقلٌ صحيح؛ مِنْ قرآن أو سنة لم يعارضه ما يساويه، أو يقدم عليه، وينتج عن تلك القاعدة أننا لا نحكم على شيء أو محل بالنجاسة إلا بدليل يدلُّ على أن هذا الشيء نجسٌ، وأن هذه النجاسة المنصوص عليها موجودة في هذا المحل، وإذا لم يتحقَّق هذان الأمران؛ حكمنا بالطهارة.
أما المخاط أو البصاق فطاهرٌ، وإنما يُغْسَل من باب النظافة؛ كما صحَّ عن الحَبْر ابن عباس أنه قاس المَنِيَّ على المخاط والبصاق في عدم النجاسة، فروى الشافعي في مسنده والدارقطني عن ابن عباس: أنه قال في المَنِيِّ يصيب الثوب: "إنما هو بمنزلة النخامة والبزاق أَمِطْه عنك بإذخرة"؛ قال الألباني: "وهذا سندٌ صحيح على شرط الشيخينِ، وقد أخرجه البيهقيُّ مِنْ طريق الشافعي، ثم قال: هذا صحيح عن ابن عباس من قوله، وقد رُوِيَ مرفوعًا، ولا يصح رفعُه".
فدلَّ على أن القذر - في الشريعة - أعمُّ من النجس، فكل نجسٍ قذرٌ، وليس كلُّ مستقذرٍ نجسًا.
قال خليل في مختصره - في معرض كلامه عن الطاهرات -: "والحي، ودمعه، وعرقه، ولعابه، ومخاطه...".
قال الدردير : "وهو ما يخرج من أنفه؛ نعم هما من المستقذرات..".
أما انتقال النجاسة عند مماستها لشيءٍ؛ فالقاعدةُ الفقهية التي ذكرها صاحبُ "الأشباه والنظائر": "النجس إذا لاقى شيئًا طاهرًا وهما جافَّان لا ينجسه".
فالنجاسةُ تنتقل عند مماستها لشيءٍ رطبٍ، بخلاف مُلاقاة الجاف النجس للجاف الطاهر؛ فإنه لا يصير نجسًا بمجرد الملاقاة.
وكذلك ما يصيبك من رشاش الماء؛ فالأصلُ أنه طاهر إلا إذا تيقَّنتَ أنه الماء المنفصل عن غسل النجاسة، وانفصل عنها قبل إزالتها؛ فهنا يحكم بكونه نجسًا، وإذا تيقَّنتَ أن ما أصابك مِنْ رشاش هذا الماء نجسٌ، فإنما يجب غسل الموضع الذي أصابه الماء المتنجِّس من بدنك وثوبك فقط.
أما شروط الغسل؛ فهي: تعميم البدَن بالماء، مع نية رفع الحدث؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة، يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجَه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أن قد استبرأ، حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه" [رواه مسلم].
أما كون الغسل يغني عن الوضوء، فإنه قد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل، والقرآن الكريم قد دلَّ على أن الجُنُب لا يجب عليه إلا الاغتسال وحسْب؛ قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "وهو سبحانه أمرنا بالطهارتين الصُّغرى والكبرى، وبالتيمُّم عن كلٍّ منهما؛ فقال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6]؛ فأمر بالوضوء، ثم قال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]؛ فأمر بالتطهُّر من الجنابة، كما قال في المَحِيض: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، وقال في سورة النساء: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]، وهذا يبين أن التطهُّر هو الاغتسال.
والقرآنُ يدلُّ على أنه لا يجب على الجنُب إلا الاغتسال، وأنه إذا اغتسل جاز له أن يقرب الصلاة، والمغتسل من الجنابة ليس عليه نيَّة رفْع الحدَث الأصغر - كما قال جمهور العلماء - والمشهور في مذهب أحمد: أن عليه نيَّة رفع الحدث الأصغر، وكذلك ليس عليه فِعل الوضوء، ولا ترتيب، ولا موالاة، عند الجمهور، وهو ظاهر مذهب أحمد.
وقيل: "لا يرتفع الحدَث الأصغر إلا بهما"، وقيل: "لا يرتفع حتى يتوضأ" رُوِي ذلك عن أحمد.
والقرآن يقتضي أن الاغتسال كافٍ، وأنه ليس عليه بعد الغسل من الجنابة حدَث آخر؛ بل صار الأصغر جزءًا من الأكبر، كما أن الواجبَ في الأصغر جزء مِن الواجب في الأكبر؛ فإن الأكبر يتضمَّن غسل الأعضاء الأربعة، ويدل على ذلك قولُ النبي صلى الله عليه وسلم لأم عطية واللواتي غسَّلن ابنته: "اغسِلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك، إن رأيتن ذلك، بماء وسِدْر، وابدأن بميامِنِها، ومواضع الوضوء منها"، فجعل غسل مواضع الوضوء جزءًا مِن الغسل، لكنه يقدم - كما تقدم - الميامن.
وكذلك الذين نقلوا صفة غسله؛ كعائشة رضي الله عنها ذكرتْ أنه كان يتوضأ، ثم يفيض الماء على شعره، ثم على سائر بدنه، ولا يقصد غسل مواضع الوضوء مرتين، وكان لا يتوضأ بعد الغسل.
فقد دلَّ الكتاب والسُّنَّةُ على أن الجنُب والحائض لا يغسلان أعضاء الوضوء ولا ينويان وضوءًا، بل يتطهَّران ويغتسلان كما أمر الله تعالى وقوله: {فَاطَّهَّرُوا}: أراد به الاغتسال".
هذا؛ وأنصحك أيتها الأخت الكريمة بالإعراض عما قد تجدينه مِنْ وساوس وشكوك في الطهارة؛ فإن أفضل طريقة لعلاجها هو عدم الالتفات إليها، ولتحذري مِن فتح باب الوسوسة على نفسك في هذه المسائل؛ لأن ذلك غير محمود العاقبة.
- التصنيف:
- المصدر: