مشكلات لعدم توفير سكن مستقل للزوجة

منذ 2014-11-22
السؤال:

لي أختٌ متزوجةٌ مِن قريبٍ لنا، كان مُطَلِّقًا زوجته، ولديه طفلتان، كان زوجُها مُستأجرًا شقة تسكن فيها أمُّه وأخته والطفلتان.

وَعَدَها زوجُها بأنه سيستأجر شقةً لها خاصة بها، بعيدًا عن ابنتيه وأمه وأخته، فقبلتْ أختي الزواج على هذا الوضع؛ حتى يُوفِّي زوجها بوعده.

لكن منذ اليوم الأول في الزواج وحتى مرور أربعةَ عشَرَ عامًا لم يُوَفِّ زوج أختي بوعدِه في توفير سكنٍ مُستقلٍّ عن أهله لها، وإذا طلبتْ منه يُصَبِّرها، ويقول: شاركيني الأجر في رضا أمي!

حصلتْ مشكلاتٌ بين أختي وأمِّ زوجها، أدتْ إلى أن ضَرَبَتْها أمُّ زوجِها، فلم تتحملْ أختي الوضع وذهبتْ لبيت أهلها، ولا تريد أن ترجعَ إلى زوجها، إلا إذا جَعَل لها سكَنًا مُستقلًّا، وزوجُها يقول: ليستْ لديَّ إمكانيةٌ مادية لشراء بيت مستقلٍّ لها!

ساءتْ نفسيةُ أختي جدًّا، خاصة وأنها تركتْ أولادها لدى زوجها، فأرجو منكم النصيحة، ولكم جزيل الشكر.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فمِن حقِّ أختك على زوجها أن يوفِّرَ لها سكنًا مُستقلًّا، ولا يلزمها بأن تسكنَ مع أهله، وسواء اشترط لها زوجها أو لم يشترط، فهذا واجبٌ عليه، ويتأكد حقُّها في سكنٍ منفصلٍ إذا ترتب على إقامتها مع أهله ضررٌ كما تذكر، ولا يخفى على أحدٍ أن السكن المستقلَّ للزوجة بعيدًا عن أهل زوجها مِن المعروف؛ وقد قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، والآية ُ تُوجب على الزوج أن يُعاشِرَ زوجته بالمعروف؛ من الصُّحْبَة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، وتوفير الحماية لها؛ سواءٌ مِن أذية أهله أو غيرهم، وقد جَرَتْ عادة الناس، وجرى العُرْفُ على أن الزوج إما أن يُسْكِنَ الزوجة مع أهله، أو يحضر لها سكنًا مستقلًّا.

قال الكَاسَاني -رحمه الله-: "ولو أراد الزوجُ أن يُسكنها مع ضَرَّتِها، أو مع أحمائها؛ كأم الزوج، وأخته، وبنته من غيرها، وأقاربها، فأبتْ ذلك عليه فإنَّ عليه أن يسكنَها منزلًا منفردًا...، ولكن لو أسْكَنَها في بيتٍ من الدار-أي: في غرفة- وجعل لهذا البيت غلقًا على حدةٍ كفاها ذلك، وليس لها أن تُطالِبَه بمسكنٍ آخر؛ لأن الضررَ بالخوف على المتاع، وعدم التمكن مِن الاستمتاع - قد زال". اهـ. من "بدائع الصنائع"(4 / 23).

قال الأحناف: "وكذا تجب لها السُّكْنى في بيتٍ خالٍ عنْ أهله، وأهلها، بقدْر حالهما؛ كطعامٍ، وكسوةٍ، وبيتٍ منفردٍ من دارٍ له غلقٌ، ومرافق، ومُرادُه لُزوم كنيفٍ -أي: بيت خلاء- ومطبخٍ، كفاها؛ لحصول المقصود". اهـ.

فإنْ رَضِيَتْ أختُك -بعد ذلك- بالسكن مع أهل زوجها؛ إرضاءً للزوج، وعونًا له على بر والديه، والإحسان إلى أرحامه - فهي مأجورةٌ مُثابَةٌ -إن شاء الله تعالى- قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، ولكن بشرط أن تُصلح أمُّ زوجها مِن نفسها، فإن كان ذلك أمرًا غير مضمونٍ فلا إذن؛ لأنه لا يقول عاقلٌ: إن على الزوجة أن تبقى طيلة حياتها في نارٍ تلظَّى وإهانةٍ، فليس هذا من الإسلام، ولا حسن العشرة في شيءٍ ألبتة، فما لحق أختك مِن ضربٍ مِن حماتها ضررٌ شديدٌ، والضررُ لا بد أن يُزال، والواجبُ على زوجها أن يدافعَ عنها، ويحفَظَها مِن الإهانة، ويوفِّرَ لها سكنًا مستقلًّا، ولكن إذا كان الزوجُ غيرَ قادرٍ على توفير المسكن المستقل في هذه الفترة، فلا أقل مِن أن يحميها مِن بطش أمه؛ لا سيما وزوجته لا يجب عليها شيءٌ من البر تجاه أمه، أو أبنائه من زوجته السابقة، أو أبناء أخته، وإنما تفعل هذا مِن باب حُسن العِشْرة، وبرًّا بزوجِها، وليس من شرط بر الزوج بزوجته أن يلحقَ الضرر بزوجته، أو يجبرها على ذلك.

وفَّق الله الجميع، وأَصْلَحَ أحوال المسلمين.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 4
  • 0
  • 52,540

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً