أركب مع السائق وحدي رغمًا عني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ عمري 18 عامًا، لديَّ وِسواس، كان والدي منذ صِغَري يَصطحبني إلى المدرسة، وعندما كبرتُ بدأتُ أركب الباص أثناء الذهاب إلى الجامعة، وأكون وَحْدي مع السائق، ووالله إني لأتعذَّب في كل مرة أكون فيها وحدي مع السائق.
فأَشيروا عليَّ هل أستمر أو أتوقَّف عن الدراسة الجامعية؟ فلا أريد أن أركبَ مع رجلٍ غريبٍ في سيارة وحدي، وليس لديَّ حلٌّ لأني لو توقَّفْتُ عن الدراسة فسينظر إليَّ أهلي والناس على أني فاشلة.
فأشيروا عليَّ بارك الله فيكم.
لحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فشكر الله لك أيتها الابنة الكريمة حِرْصك على عدم تعدِّي حُدود الله تعالى، ونفورك من ركوب السيارة مع السائق بمفردك، ولكن هَوِّني عليك؛ فلكلِّ داء دواءٌ، ولكل مشكلةٍ حلٌّ بإذن الله تعالى، وإنما تصعُب المشكلة بالتفكير السلبي الذي يولد بلا شك سلوكًا سلبيًّا، فتظل المشكلةُ الأساسيةُ بغير حلٍّ جذريٍّ، وهذا ما دفَعك للترجيح بين أمرين؛ إما التوقُّف عن الدراسة، أو الاستمرار في الذهاب مع السائق بمفردك.
وعلاجُ المشكلة يتمثَّل في البحث عن طرُق شرعية لانتفاء الخلوة مع السائق، ويتحقَّق هذا بوجود امرأة أخرى أو أكثر تركب معك، ومن الممكن أن تكونَ إحدى زميلاتك في الجامعة، بشرط أن تُؤْمنَ الفتنة، وتكون المسافة للجامعة أقل من مسافة السفر، فلا حرَجَ عليك حينئذٍ من الركوب مع السائق الأجنبيِّ، وإن تيسَّر أن يكونَ معك رجلٌ مِن محارمك فذلك خيرٌ وأصلح.
ولكن لا يجب ذلك، بل يكفي ما يزيل الخلوة، وهو مُتحقِّقٌ بوجود امرأة ثانية فأكثر، أو رجل آخر غير السائق، مع توافر عدم الريبة؛ كما ورد في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، أنَّ نفَرًا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عُمَيْس، فدَخَل أبو بكرٍ الصِّدِّيق وهي تحتَهُ يومئذٍ، فرَآهم، فكَرِه ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لم أرَ إلا خيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد بَرَّأها من ذلك»، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: «لا يَدْخُلَنَّ رجلٌ بعد يومي هذا على مُغيبة، إلا ومعه رجلٌ أو اثنان».
فتكلَّمي مع والدك ووالدتك، وأخبريهما أن أهل العلم منعوا ركوب امرأة واحدة في السيارة مع السائق، واحتجوا بما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس، قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: «لا يخْلُونَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو مَحْرم، ولا تُسافر المرأة إلا مع ذي مَحْرَمٍ».
هذا؛ وسأنقل لك فتويين لاثنين مِن كبار علماء العصر لتُطلعيهما عليهما:
قال العلاَّمة العثيمين في فتاوى نور على الدرب (22/ 2): "ولا فرْق في الخلوة بين أن تكونَ في منزلٍ أو في سيارةٍ ونحوها؛ لأن العلة الموجودة في الخلوة في المنزل موجودة في الخلوة في السيارة، والشريعةُ الإسلاميةُ لا تُفَرِّق بين شيئين متماثلين أبدًا، وتهاوُنُ بعض الناس في هذا الأمر خطيرٌ جدًّا؛ لأن بعض الناس يُرسل ابنته الشابة مع السائق إلى المدرسة، أو يرسل زوجته مع السائق وليس معهما أحدٌ، وهذا خطيرٌ جدًّا، وكثيرًا ما نسمع عن قضايا مُزرية مِن جرَّاء ذلك؛ فعلى الإنسانِ أن يتقي ربه عز وجل، وأن يحفظَ محارمه، وأن تكون فيه غيرة على أهله ونسائه".
وَوَرَدَ في فتاوى العلاَّمة ابن جبرين (24/ 13): "أما ركوبُ المرأة وحدها مع قائد السيارة فلا يجوز؛ لما فيه من الخلوة المحرَّمة؛ حيث جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَخْلُونَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو مَحْرم»، وقال أيضًا: «لا يَخْلُوَنَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان»، فعلى المرأة المسلمة أن تخشى الله، ولا تركب وحدها مع السائق، أو صاحب الأُجرة، سواء إلى المسجد أو غيره؛ خوفًا من الفتنة، فلا بد من أن يكونَ معها غيرها مِن مَحارم أو جَمع من النساء، تزول بهنَّ الوحدة مع قُرب المكان".
هذا؛ وستَجدين في شبكة الألوكة استشارات كثيرة تُعينك على تخطِّي عقبة الوساوس، منها: استشارة: الله أكبر، الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة، واستشارة: علاج الوسوسة في الصلاة.
ثبتنا الله وإياك على الحق المبين.
- التصنيف:
- المصدر: