كيف أتحكم في غيرتي على زوجي؟
سيدة متزوجة ولديها أولادٌ، ترى نفسَها أقل جمالاً مِن فتيات عائلة زوجها، وتفقد الثِّقة في نفسها، وترى زوجها غير مهتمٍّ بها، ومهتمًّا بغيرِها من الجميلات مِن حولها، وتفكِّر في الطلاق حتى تتركَ زوجَها يختار الأفضل!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بدايةً أودُّ أن أشكُرَ لكم سَعيكم في خِدمة المسلمين، وأرجو مِن الله أن يُوَفِّقكم ويجزيكم خيرَ الجزاء.
أنا متزوجةٌ منذ ثلاث سنوات وأُمٌّ لطفلَيْنِ، تزوَّجتُ رجلاً مِن عائلةٍ معروفةٍ بالجمال - ما شاء الله، وأنا متوسِّطة الجمال، إضافةً إلى أنَّ زوجي أستاذٌ في جامعة مُختلطةٍ، والتبرُّج فيها فاحشٌ!
زوجي رجلٌ ككلِّ الرِّجال، وبطبيعة الحال يعْشَقُ الجمال، وبنت خالته التي تصغرني بعام هي أجمل مني. في البداية كنتُ لا أُبالي بها، ولكن بعد أن رأيتُ إعجابَ زوجي الشديد بأمِّها التي هي أقل مِن ابنتِها جمالاً، أصبحتُ أغار منها جدًّا.
مضى على الولادة عامان، أصبحتُ فيهما شديدةَ الغيرة على زوجي، أحبُّه وأكْرَهه في نفس الوقت، وأفكِّر دائمًا في هذه الفتاة، ولا أدري شُعوري تُجاهها؛ أهو غبطة أو حَسَد والعياذ بالله؟!
أصبحتُ أفكِّر دائمًا: ماذا لو كنتُ في شكلِها؟ ألم يكن عشق زوجي لي سيكون أشدَّ؟! راودتْني وساوسُ كثيرةٌ واستنتجت أنه لا يريدني إلا من أجْلِ الأولاد؛ وللأسف أهْمَلْتُ شكلي، واستسلمتُ لحالي؛ لأني لا أملك شكلاً جذَّابًا، وفقدتُ الثقة في نفسي، خاصَّة بعد أن تذكرتُ كلام أهلي عني وهم يقولون لي: ستُطَلَّقين بعد زواجك!
أعيش حزينةً مُنكسرةً، وأريد أن أطلُبَ الطلاق، لكن استمراري في الحياة الزوجية فقط مِن أجل أولادي، فلا أتحمَّل عدم إعجاب زوجي بي؟
فأخبروني كيف أتحكَّم في غيرتي الشديدة التي تكاد - لا قدر الله - تُحطم حياتي؟
لا أدري كيف أتصرَّف؟ ربما الأفضل لي ولزوجي أن نَنْفَصِلَ وأن يختارَ الأجمل!
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فقد جَنَيْتِ على نفسِك أيتها الابنةُ الفاضلة بتلك الشُّكوك والوساوس التي لا أساسَ لها، ومَن نظر في رسالتك أَيْقَنَ بصِدْق ما أقول، وأرجو أن تتأمَّلي كلامي لتستعيدي ثقتك بنفسك وتُجَدِّدي حياتك.
• أولاً: مِن البدهي أن زوجك يعرف ابنةَ خالته الجميلة قبل أن يعرِفَك، ولو سلَّمنا أنه يرى فيها ما ترينه أنتِ مِن أنها فائقة الجمال، إلا أنه لما أراد الزواجَ أعْرَض عنها، وتزوَّجَك أنتِ، ألا يدُلُّ هذا على شيءٍ عندك؟!
• ثانيًا: قد فاتَك مِن الأحداث المتداخلة ما اتفق عليه جميعُ عقلاء بني آدم وهو: أن الجمال شيء نسبيٌّ ومتفاوتٌ، فالمرأةُ التي تَعْجِب إنسانًا قد لا تَعْجِب غيره، فلكلِّ واحدٍ اختيارٌ معينٌ، فيرضي هذا ما لا يُرضي غيره، والعكسُ بالعكس، ولو كان مقياسُ الجمالِ واحدًا كما ظننتِ لبارَتْ أكثرُ النساء، ولتأيَّم عامةُ الرجال، ولكن شاء الله بحكمتِه البالغة أن يخلُقَ الخلقَ على ما هو عليه، وجعَل سعيَ الناس للجمال متفاوتًا، وليس على مقياسٍ واحدٍ، ولم يجعل العُقولَ متساويةً في مقياس الجمال، كما فاوت بينها في كل شيءٍ؛ {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4]؛ أي: أعمالُ العباد مُتضادة ومتخالِفة.
فتقديرُ الجمال يتفاوَتُ من شخصٍ لآخر، فمَن يراه أحدُ الناس قبيحًا قد يراه آخرُ على خِلافِ ذلك.
حتى قال بشار بن برد:
تَعَشَّقْتُهَا شَمْطَاءَ شَابَ وَلِيدُهَا وَلِلنَّاسِ فِيمَا يَعْشَقُونَ مَذَاهِبُ
قال جرير:
أُحِبُّ لِحُبِّهَا السُّودَانَ حَتَّى أُحِبّ لِحُبِّهَا سُودَ الكِلاَبِ
والحاصلُ أن الجمالَ غيرُ منضبطٍ، ولا مَقاسَ له.
• ثالثًا: إنَّ مقاييسَ اختيار الزوجة ليستْ مَحصورةً في الجمال الباهر، حتى تُوقعي نفسك في تلك الورطة، فالرجلُ العاقل يعلَم أنَّ الجمالَ - وإن كان باهرًا - أمرٌ زائل، وسيعتاد عليه بعد فترةٍ طالتْ أم قَصُرَتْ، والذي يبقى ولا يَتَبَدَّل هو حُسن الخُلُق والدينُ القويمُ والمعامَلَةُ الحسنةُ ورعاية الأبناء، وهذا ما أرشد إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم حيث قال: «تُنكح المرأة لأربعٍ: لمالها ولِحَسَبِها وجمالها ولدينِها، فاظفَرْ بذات الدِّين تربتْ يداك».
وما نخلُص إليه بعد تلك المقدِّمة أنَّ ما أصابك هو محضُ وسوسة من الشيطان، فالجمالُ كما بيَّنَّا أمرٌ نسبيٌّ ويتفاوَت، والعاقلُ مِن الرجال يعلم أنه مهما اختار امرأةً جميلةً فسيقف على مَن هي أجملُ منها، ويقول له الشيطان: لو كنتَ اخترتَ هذه الجميلة! وهكذا يبقى الشيطانُ يلعب بالعبد حتى يكونَ أسيرَ الصوَر، شاردَ الذهن، لا يَقْنَع ولا يرضى بما آتاه الله تعالى، والعاقلُ لا يرضَى هذا لنفسه، بل يُقَدِّم مقتضى الشَّرْع والعقل الصريح.
وتذكَّري أخيرًا أن ابنة خالةِ زوجك كانتْ أمامه، وأنه تَرَكَها وتزوَّجك، إما لأنك أجملُ منها في نظَرِه، بخِلاف ما تظُنين، أو أنَّ زوجك اختارك دونها؛ لأنه وَجَد فيك شيئًا ما غير موجودٍ بها، وهذا شيءٌ في غاية الظُّهور، ولا يخفى على مِثْلِك أيتها الأختُ الكريمة أنَّ الجمالَ الحقيقي هو جمال الدِّينِ والخُلُق، حتى قيل: إنَّ المرأة لا تُعاب في جمالِها.
فلا تسْتَسْلِمي لغيرتك الشديدة، وتجعليها تُفسد عليك حياتك، وثِقي في نفسك، ولا تقِفي كثيرًا عند كلام أسرتك ونقدِهم لك؛ فهذا شيءٌ موجودٌ في غالب الأُسَر، يقولون مثلَ ما ذكرتِ من العبارات، وهم لا يقصدون فحْواها ومعناها الحرفي، وإنما يجري هذا مجرى الهزْلِ وليس الجدّ.
جاهدي نفسَك على أن تطرحي من عقلك تلك الأفكار المثبِّطة مثل: استسهال الطلاق، وأنك شخصية غير متميِّزة، واهتمِّي بنفسك وبزوجك وأولادك، ولا تستسلمي لأيِّ فكرةٍ مُثبِّطة، واستبدلي بها ما يبْعَثُ فيك الثِّقةَ والأمل.
وفقك الله لكل خيرٍ، وأذْهَبَ عنك شدةَ غيرتِك.
- التصنيف:
- المصدر: