طلقتها وندمت

منذ 2020-07-18

شاب عقَد على فتاة، وبعد ذلك وجد من نفسه نفورًا تُجاهها، ثم طلَّقها بعد أن حدثت بينهما اختلافات، لكنه يشعُر بتأنيب الضمير، ويرى أنه قد ظلَمها، ويسأل عن حلٍّ.

السؤال:

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، قبل مدة خطبت فتاه وتَمَّ العقد، وكنت سعيدًا بها جدًّا وبعد مدة أحسستُ بنفور شديد منها، وصرتُ أتمنى أن أفسخَ العقد، بعد ذلك حدثت مشكلات بيني وبينها، فلم أسعَ إلى حلِّها لرغبتي في فسخ العقد، وكنت أدعو الله أن يَصرفها عني، وبعدها حدَث تراضٍ بينا، وبعد أيام حدث اختلاف بينا على تفاصيل الشبكة والذهب، فقمتُ بالصراخ عليها، وطلبتْ مني أن أتكلم مع والدها كي أفسخ العقد، لكني رفضتُ، وقد علِم والدها بالموضوع كلِّه، وطلب مني أن أُطلقها، فطلَّقتُها.

 

أنا الآن أشعُر بتأنيب ضمير؛ لأني مَن أوصلتُها إلى اتخاذ هذا القرار، ثم إنها قد تأذَّت بسببي، وأشعر أني ظلمتُها، وعندما أتذكَّر كم كانت رغبتي فيها، أشعُر بضيق شديد وحزن، صرتُ الآن أكره موضوع الزواج، وأشعر بخوف منه، أرجو توجيهي بارك الله في جهودكم.

الإجابة:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فبعد التأمل في مشكلتك، يبدو لي أن لها أسبابًا بعضها ظاهر الآن، وبعضها قد يكون خفيًّا، فمن الأسباب الظاهرة فيما بدا لي الآتي:

١- أنت حساس جدًّا، بالإضافة إلى الغضب والعجلة.

 

٢- ينتابك الخوف الشديد من الظلم.

 

٣- تتأثر كثيرًا من مواقفك وغضبك، وبعد أن تهدأ تراجع نفسك وتندَم.

 

وبعد التشخيص اليسير لحالتك، جاء دور العلاج، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: تحتاج إلى علاجات شرعية للتخلص من العجلة والغضب؛ منها:

مجاهدة النفس، والدعاء، والرقية، والقراءة كثيرًا عن فضل الحِلم وكظم الغيظ.

 

ثانيًا: قد تحتاج إلى علاج شرعي ونفسي للتخلص مما أصابك من كره الزواج.

 

ثالثًا: أنت تألَّمت كثيرًا مما حصل من نُفورك من الزوجة في فترة الملكة، بينما هو في الحقيقة أمر معتاد لا يوجب الخوف من الظلم، وقد حصل لكثير من الرجال أو النساء، أحيانًا دون أي سبب، وإنما قدرٌ كتَبه الله لحكم يعلمها سبحانه، وأحيانًا لأسباب أخرى قد يكون منها ما يكتشفه الزوج أو الزوجة من أخلاق غير مناسبة في الطرف الآخر، وأحيانًا لأسباب مرضية من حسد أو سحر أو غيرها، إذًا لا داعي أبدًا للقلق والخوف.

 

رابعًا: لكن انتبه لنفسك إن كنت مصابًا بشيء من العجلة أو الغضب، وضعف الصبر أو الحساسية الزائدة، فقد يتكرر ما حصل لك مع غيرها، فلا بد أن تعالج نفسك من هذه الآفات.

 

خامسًا: هيِّئ نفسك أنه كما أنك لستَ كاملًا، وبك عيوب، فكذلك من ترغب في الزواج منها.

 

سادسًا: سؤالك: هل ظلمت زوجتك السابقة أم لا؟

أقول: ما دام الكره والنفور جاء رغمًا عنك، فلا تُؤاخَذ بما حصل؛ لأن تآلف القلوب والمحبة ليست بيدك.

 

سابعًا: ما أصابك من كُره الزواج هو نتيجة صدمة نفسية قوية مما حصل لك، جعلتْك تكره الزواج، أو تخاف من ألا توفَّق بسبب ما تظنه من ظلمك لها، أو دعواتها عليك، وهذا غير وارد كما ذكرتُ لك سابقًا، لكن يبدو أن حساسيتك المفرطة أتعبتك كثيرًا.

 

ثامنًا: اعلم رعاك الله أن ما حصل لك قدرٌ كتبه الله سبحانه قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، لعله اختبار لك، ورفعٌ لدرجاتك، وتكفيرٌ لخطاياك، فلا تقلق أبدًا؛ قال سبحانه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [القمر: 49].

 

تاسعًا: اعلم أن لك على صبرك خيرًا كثيرًا؛ قال عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}  [البقرة: 155 - 157].

 

فانظُر كيف رتَّب الله على الصبر أجورًا عظيمة هي صلوات من الله، واهتداء ورحمة، فاصبر واحتسِب، وأبشر بالخير.

 

عاشرًا: إذا علمتَ ما سبق، فتوكَّل على الله سبحانه، وابحَث عن زوجة صالحة، واستفِد من أخطائك السابقة، وجاهِد نفسك على التخلص منها، خاصة العجلة والغضب.

 

حادي عشر: إن كنت قد وجدتَ في مطلقتك صفات الزوجة الصالحة المناسبة، ولم تنفِر منها وتكرهها حقيقةً، وإنما هي قرارات طائشة بسبب الغضب والعجلة، فبإمكانك الاستخارة بتجرُّد وإخلاص في طلب الزواج منها مرة أخرى.

 

حفِظك الله ورزَقك زوجة صالحة تقَرُّ بها عينُك، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.

  • 2
  • 0
  • 3,707

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً