والدي مريض بالفصام

منذ 2020-08-22
السؤال:

السَّلام عليكم، وشكرًا لموقعكم الرائع.

أنا فتاة في التَّاسعةَ عشْرَةَ من عُمري، والدي مريض بالفصام العقلي، وهو يعاني كثيرًا، ونحن نعاني أكثرَ منه، لا بُدَّ أنَّ الأطباء هنا يعلمون: ما معنى أن يكون مريضًا بالفصام أبٌ لستَّة أبناء؟ وكيف ستكون حياتُهم تعيسةً وسوداء أينما اتَّجهوا؟ فلا هم أبناء رجُلٍ كباقي الرِّجال، ولا هم قد سلموا من كلام النَّاس وغمزاتهم.


في الحقيقة، أنا مُحتاجة جِدًّا إلى طبيب نفسي أسأله أسْئلةً كثيرة، لا أستطيعُ أنْ أشرحَ مأساتي كلَّها في بِضْع سطور؛ فأرجوكم ساعدوني قبل أنْ يَحدُثَ لي شيء؛ فقدْ فكَّرت في لَحظة وجيزة في الانتحار، ولكنَّه مُحرَّم، فلا أريدُ أن أدخلَ النار، ولا أريد أنْ أبقى في جهنَّم الدُّنيويَّة التي أعيشها كلَّ يوم؛ ساعدوني أرجوكم.

الإجابة:

وعليكم السلام،


قرأتُ رسالتك باهتمام، وشعرت بمشاعرك العميقة؛ لأنَّنِي ببساطة أعالج كلَّ يوم أكثر من مريض بالفصام، وأجلسُ مع أفراد أُسَرهم، وأعرف تمامًا: ماذا يعني أنْ يكون الأبُ مريضًا بالفصام؟ تابعي معي النقاط التالية:


أولاً: يَجبُ أن نفهم جيِّدًا ما الفصام؟ الفصام: هو مَرضٌ دماغي، يصيبُ واحدًا بين كلِّ مائة شخص، وهو يُؤثِّر على مناطق مُعيَّنة في الدماغ؛ فيُحدث فيها اختلالاً في النَّواقل العصبيَّة فيها؛ وبالتالي يؤدِّي إلى عَطَب وظيفتها، هذه المناطقُ للأسف في غايَةِ الأهمية؛ فهي المسؤولة عن السُّلوك والأفكار والمشاعر، وكَمْ هو رهيبٌ أن تتعطَّل هذه الوظائف؛ لأنَّها أهم ما يُميز الإنسان ويرفعه.


لاحظي أنَّنِي قلت أنه مرضٌ دماغي بيولوجي يُمكنُ لأيِّ شَخْصٍ أن يصابَ به؛ إنه ليس مسًّا ولا سحرًا ولا جنونًا؛ هو مَرَض كسائر الأمراض - السُّكر والضغط والسَّرطان - التي تؤثر على حياة الشخص تأثيرًا كبيرًا، للأسفِ تَجهلُ مُجتمعاتنا هذه المعلومات البسيطة؛ فينظرون إلى المريض على أنَّه مَجنون؛ فيعاملونه أسوأ مُعاملة كأنَّه لا يحسُّ ولا يشعر.


لماذا أقول كلَّ هذا؟ أريدُك أنت أن تستوعبي هذا الأمر، نحن أمام مَريض بكلِّ ما لهذه الكلمة من معنى، مريض يعاني ويعاني ومحتاج إلى المساعدة، ومن يَخجلُ من المرض ويتبرأ منه؟! عندما تنظرين إليه بهذه النَّظرة ستنسَيْن ما يقوله المجتمع والناس، وسيُخفَّف عنك ألمًا كبيرًا.


ثانيًا: هذا - يا سيِّدتي - هو والدك، وما تقومين به من رعاية وصبر عليه فيه الأجرُ الكبير، هل تعلمين أمرًا مُهمًّا؟ ربَّما كسبت برعايتك المُتميِّزة لوالدك المريض أجرًا كبيرًا من الله - عز وجل - تَخيَّلي لو كان والدك سببًا في دخولك الجنة، سببًا في الغُفران والنَّجاة من النَّار والفَوْز بالجنَّة، وليس ذلك ببعيد عن الله – تعالى - ألاَ يستحِقُّ هذا الدُّنيا وما فيها؟ إنَّ الله - عز وجل - مُطَّلع عليك وعلى المعاناة التي تعيشينها؛ فأريه منك خيرًا وهنيئًا لك الأجر الجزيل، الذي سيرضيك ويكْفيك.


ثالثًا: هذا لا يَعْني ألاَّ تأتيك لَحظات تَشعرين فيها بألَمٍ رهيب، أنا لا ألومك؛ فهذا حقيقيٌّ وما علينا إلاَّ أن نذكِّر أنفسنا بأنَّه ابتلاء، ونصبر ونحتسب ونلتجئ إلى الله - تعالى - فما أجملَ الوقوفَ ببابه والاحتماء برُكْنه الشَّديد!


من الوسائل النافعة - أيضًا - أن يكونَ لَك صديقة صَدُوقة، تحدثينها بما يَجولُ بخاطرك وتفضفضين لَها بما يشغلُ بالك.


رابعًا: من آثار الفصام أن يغيبَ عنك حبُّ والدك وعطفه وحنانه، وهذا من الأشياء المُؤلمة في المرض، لكِنَّنِي أتذكَّر وأنا أكتبُ هذه الكَلِمات كم من الأشخاص الذين تَعَرَّضوا في بداية حياتهم إلى اليُتم والاضطهاد، ولكنَّهم مع الصبر والمجاهدة أصبحوا الآن من الشَّخصيَّات الممتازة، ومن الذين بَنَوا مُستقبلاً متَميِّزًا ورائعًا، سيدتي، نحن المسؤولون عن حياتِنا بالكامل، وقادرون على صِياغَتِها على أحسن حال أو على أسوئه.

 


خامسًا: ماذا أفعل مع غمزات المجتمع؟ المجتمع جاهلٌ، ويحتاج إلى التوعِيَة والتنبيه، كما يحتاجُ منَّا إلى عدم الاكتراث له أحيانًا؛ قومي بما يتيسَّر لك من توعية وتوضيح؛ لعلَّك تحدثين في هذا المجتمع تغييرًا؛ لقد اطَّلعت يومًا على موقع إلكترونيٍّ كبير جدًّا للفصام باللغة الإنجليزية، ومن المدهش أنَّ القائمين عليه ليسوا أطباءَ ولا اختصاصيِّين نفسيِّين، ولكنَّهم أشخاص عاديُّون أُصيبَ أفرادُ أسَرِهم بالفصام، وتَحمَّسوا لتوعية المجتمع بهذا المرض، أليس هذا أمرًا مُثيرًا؟

 

  • 0
  • 0
  • 966

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً