اكتئاب وعصبية بعد التخرج

منذ 2020-08-26

فتاة في العشرينيات من عمرها أنهت دراستها الجامعية، ثم لاحظت تغيرات في شخصيتها، وتحولًا من الحلم إلى الانفعال والغضب، وتسأل عن السبب.

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

أنا فتاة في العشرينيات من عمري، تخرَّجت قبل فترة قصيرة، وقررت أن آخذَ وقتي في المدة التي أقضيها في منزلي، بأن أملأ وقتي بما ينفعني ويطوِّر مهارتي في المجالات التي أهتم بها، وأتريث قبل دخول عالم العمل، بيدَ أنني بدأت ألاحظ تغيرًا في شخصيتي، فأنا بالعادة هادئة حليمة لا أحمل همَّ شيء، وأهتم بمن حولي من أفراد عائلتي وأعاملهم برفق وتفهُّمٍ، أما الآن فصارت تنتابني مشاعرُ حنقٍ وغضب، صرت أسهر كثيرًا، وأتجنب أفراد عائلتي، وأثور عليهم أو أؤذيهم عمدًا بعباراتي وتصرفاتي، وأصبح لديَّ تخوُّفٌ من أنني قد تأثرت بأمي، فهي مشخصة بالاكتئاب منذ سنوات، وقد كانت تثور علينا وتُسمِعنا لاذع الكلام من وقت لآخر، كنت معتادة على محاولة احتوائها، حتى وصل الأمر إلى درجة أنني وجدت نفسي في عجز عن مساعدتها، فصرتُ أتجنبها عندما تأتيها نوبات الغضب أو الشكوى، ولا أدري إن كان حالي الآن هو نتيجة أننا في نفس المكان وقتًا طويلًا، أو أن السبب هو أنه لم يعُدْ لديَّ دراسة تشغلني، مع العلم أن وقتي بالكاد يكفي للأنشطة التي أقوم بها.

 

إن هذا الغضب الذي ينتابني، وهذه الأفكار السيئة التي تأتيني تجاه عائلتي تزعجني، أعلم أنني كنت أفضل من حالي الآن، ولا أدري ماذا أفعل، أرجو أن تنصحوني، وجُزيتم خيرًا.

الإجابة:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فمرحبًا أختي الكريمة، وأهنئكِ على هذا الطموح، وعُلوِّ الهمَّة، والحرص على استغلال الوقت بما ينفع، وحسنًا ما تفعلين، فوقت الإنسان هو رأس المال، وهو العمر والحياة وكل شيء، فلا يفرط فيه إلا جاهل، ولا يضيعه إلا مُضيِّع.

 

واستشعار الإنسان لقيمته وأثره في الحياة أمرٌ في غاية السموِّ والرقي الأخلاقي، ومن لا يقدِّر نفسه لا يقدِّره الآخرون.

 

وأبارك لكِ التخرج وهذا الإنجاز، والذي بقدر ما يُشعِر المرء بالسعادة والرضا بقدر ما يبعث على التوتر والقلق، لسان الحال يقول: كنت في شغل شاغل في مراحل الدراسة المتتابعة، يحدوني الأمل، رافعًا بصري للأعلى، متطلعًا للمرحلة التي تليها، مراحل متعاقبة ومتسارعة، إنجاز يتلوه إنجاز ... وفجأةً هدأ الضجيج، وتوقفت العجلة، لأجد نفسي مستلقيًا، لا أدري إلى أين أتجه، وإلى أي أرض سأرحل، وما طبيعة المرحلة القادمة، كل هذا كفيلٌ بالتوتر والانفعال، وتغير طبيعتك المعتادة من الهدوء والطمأنينة.

 

ولا عليكِ، فهذه مرحلةٌ يمر بها الجميع، وجسر قد عبر فوقه الكثير، المهم هو بذل الأسباب المناسبة والمتميزة في البحث عن العمل المناسب، وإشغال النفس هذه الأيام بتطوير مهاراتكِ، واستكمال مسيرتكِ التعليمية بما يجعلكِ أكثر أهلية وأقوى استعدادًا لاقتناص الفرص المتاحة.

 

أختي الكريمة، ببساطة تغيَّرت الظروف، فتغير الخاطر، في السابق تخرجين للدراسة، والآن أنتِ في البيت، فلم يكن المكث سابقًا مثله الآن، كان البيت محطةً للراحة ونقطة الانطلاق إلى المدرسة، ثم الجامعة، أما الآن فهو مكان الراحة والإقامة الدائمة، حتى لو كانت هناك خططٌ وأنشطة، وما تشعرين به هو أعراض المرحلة الانتقالية لا أكثر، بالإضافة إلى وصولكِ إلى السن الذي يؤهلكِ للزواج، كذلك هو من أسباب التوتر والقلق من التغييرات القادمة.

 

ونصيحتي: لا تجلدي ذاتكِ بسِياطِ التأنيب، فالنفس مع الفراغ أكثر عرضةً للاكتئاب والضيق، وروِّحي عن نفسكِ، وجدِّدي طريقة حياتكِ واهتماماتكِ، اصنعي لنفسكِ جوًّا هادئًا وممتعًا من البرامج، واحذري أن تتسلطي على ذاتكِ بأن تطالبيها بما يسمى في علم النفس (حيلة التعويض)؛ تعوضين انقطاع مراحل التقدم العلمي والعملي بأنشطة علمية قد ترهقكِ، أو لا تجدين فيها المتعة التي كنتِ تجدينها في أروقة الجامعة.

 

سائلًا الله لكِ التوفيق والسداد، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

  • 2
  • 0
  • 916

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً