الإخلاص والصبر في طلب العلم
شاب بدأ في طلب العلم، ويشكو بعض الصعوبات فيه؛ كتفلُّتِ القرآن منه، وعدم قدرته على التحصيل الذي يؤهله لأن يحدِّث بالعلم ويعلِّمه، وكذلك ينقصه العلم بأشياء مهمة كالسيرة النبوية، ويسأل: ما النصيحة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أنا شابٌّ أبلغ من العمر الخامسة والعشرين، أدرس في جامعة للعلوم الإسلامية، كانت بدايتي في طلب العلم متأخرة، أنا أحفظ القرآن والحمد لله، لكني لم أستطع ضبطَه، مع أني أُنفق كل وقتي في مراجعته.
ومشكلتي الثانية أني مرَّتْ عليَّ فترة في طلب العلم، لكني لم أُحصِّلْ شيئًا، والغريب أني قرأت العديد من الكتب، وحضرت الكثير من المجالس، ولكني أحس أني لم أُحصِّلْ شيئًا، حتى إنَّ أحد الإخوة في يوم من الأيام قال لي: أعطني فائدة، فتغيَّر لوني، ولم أستطع الإتيان بها، فكيف أقرأ الكتب وأحصِّل منها فائدة ولا أنساها، وأستطيع أن أحدِّثَ بها، وأدرِّسَها إن وفَّقني الله؟ وكيف أضبط شروح المتون سواء أكانت مكتوبة أم صوتية؟
وعندي مشكلة أخرى، هي أنني أصلِّي بالناس أحيانًا، ولكني أصبحت أُخطئ كثيرًا، وتعتريني الخوف، ولم يكن قبل ذلك، وأخطأ بالرغم من أني أراجع جيدًا قبل الصلاة.
ومشكلة أخرى هي أنني درست أحكام التجويد ولا أقدر على تطبيقها، وأعاني من التخبط بين منهجيات طلب العلم، وأعاني من ركاكتي في الكلام، وعدم درايتي بأهم المهمات كالسيرة النبوية وسِير الصحابة وغيرها، أرجو منكم أن تساعدوني، وأنتظر جوابك في القريب العاجل، وجزاك الله خيرًا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
اعلَم أخي الكريم أن طلب العلم من أفضل العبادات التي يَعبُدُ العبدُ بها ربَّه سبحانه وتعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِدِ الله به خيرًا يفقهه في الدين» [1]، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: «ومَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة»[2].
ومَن أراد تحصيل العلم لا بد أن يسير على طريقة العلماء، وكانت طريقتهم حفظَ متنٍ مختصرٍ أو أكثر في كل فنٍّ، ثم دراسة هذا المختصر على شيخ حاذق متقن، فإن لم يتوفر هذا الشيخ في بلدتك، فيمكنك أن تدرس شرح هذا المتن المختصر من خلال دروس العلماء الكبار على الشبكة، المهم ألَّا تتعدى هذا المتن إلى غيره حتى تُتقنه جيدًا وتقرأ أغلب شروحه، وعليك بالتكرار في القراءة، وتقييد الفوائد ومراجعتها، وحينها ستجد نفسك قد حصَّلْتَ علمًا إن شاء الله، وتستطيع استحضار الفائدة متى شئت.
واعلم أنَّ مَن رامَ العلم جملةً ذهب عنه جملة، والعلم يأتي على مرِّ الأيام والسنين؛ فجميع الذين يتعجلون في طلب العلم، ويقرؤون كتابًا ثم يتركونه بلا إتقان، وينتقلون إلى غيره، جميع هؤلاء لا يحصِّلون شيئًا في نهاية الأمر، وتمر بهم الأيام والسنون دون تحصيل شيء.
فيمكنك حفظ "متن الطحاوية" في العقيدة حفظًا متقنًا، ثم دراسة شرح العلامة البراك على الطحاوية.
ثم تدرس شروحات العلماء على متن الأصول الثلاثة؛ كشرح العلامة ابن عثيمين، وشرح العلامة الفوزان، وشرح العلامة صالح آل الشيخ.
وفي الفقه يُمكنك دراسة "متن بداية المتفقه" دراسة جيدة متقنة، وحبذا لو استطعتَ حفظه، ثم دراسة شروحه، مع حفظ متن عمدة الأحكام بواقع ثلاثة أحاديث يوميًّا، مع مراجعة الماضي.
وفي التفسير دراسة كتاب "أيسر التفاسير" للشيخ الجزائري رحمه الله.
وفي المصطلح حفظ "منظومة لغة المحدث" للشيخ طارق بن عوض الله، ثم دراسة شرحه للشيخ طارق أيضًا دراسة متقنة.
وفي السيرة النبوية عليك بقراءة كتاب "الرحيق المختوم" أكثر من مرة، ثم كتاب "هذا الحبيب يا محب" أكثر من مرة.
وفي اللغة يمكنك حفظ "متن الآجرومية"، ثم بعد إتقانه تدرس شرح العلامة ابن عثيمين عليه.
واعلم أن العلم لا يُنالُ براحة الجسم، ويحتاج إلى الإخلاص والتقوى.
وأما مشكلة الخطأ في الصلاة، فحلُّها أن تستعيدَ الثقة في النفس، وتعتمد على الله تعالى، وأن تقرأ بقصار الصور فترة، حتى تعود لك الثقة مرة أخرى.
كما عليك بمراجعة ثلاثة أجزاء يوميًّا من القرآن؛ حتى لا يتفلَّتَ منك، وفَّقك الله لكل خير.
[1] متفق عليه: أخرجه البخاري (71)، ومسلم (1037).
[2] أخرجه مسلم (2699).
- التصنيف:
- المصدر: