الناس يتقدمون وأنا واقفة في مكاني
سائلة تشكو تأخرها في حياتها الوظيفية، وكذلك تأخر الزواج، وتشعر بأنه ليس لها خطٌّ ثابت في حياتها، ولا تدري أين تذهب، وتعاني من مضايقات الأهل والناس، وتدخُّلهم في أمورها على مستوى الزواج أو الوظيفة، وتسأل: ماذا تفعل؟
تخرجت منذ أربع سنوات، وقد كانت هذه السنوات الأربع أكثر السنوات ألَمًا في حياتي، فبعد أن تخرَّجت التحقتُ بالتحفيظ مدة فصل دراسي، وبعدها تمت خِطبتي، وتركت التحفيظ، ولكن لم تتم الخطبة، وكنتُ قد علَّقْتُ آمالًا عِراضًا على هذه الخطبة، ومن هنا بدأت المعاناة، فبعد الخطبة بدأتُ شهورًا من البطالة والصدمة، وأُصبتُ بوسواس قهري في الأكل والنظافة، وأُصبتُ باكتئابٍ؛ حيث فقدت الشهية نحو الأكل وخسرت وزنًا كبيرًا، ولاحظ مَن حولي نحافتي وشحوبي.
واستشرت على الإنترنت، فقيل لي: إن لديكِ ضعفًا في تقدير الذات والثقة بالنفس، ثم إنني صارحت أمي بموضوع نفسيتي وأنني أحتاج للعلاج، فقالت لي: هذي وساوس بسبب الفراغ، ونصحتني بأن أقرأ القرآن، وأن أشغل وقتي؛ فالتحقت بنادٍ رياضي، وبالفعل تحسنت نفسيتي، وقرأتُ سورة البقرة شهرًا، وكان لها تأثيرٌ ممتاز، وقد مكثتُ سنة كاملة في بطالة وفراغ، والآن أكملت التحاقي بالتحفيظ، لكن ثمة أمور تضايقني؛ منها: عدم ثقتي بنفسي وتقديري لذاتي، وشعوري بأن الآخرين أفضل مني، أيضًا لا أعرف لحياتي خطًّا ثابتًا، لا أدري أين أذهب؛ مما يصيبني بالقلق والحزن، وأرى شخصيتي سلبيةً، وأيضًا لدي إحباطٌ ويأس من موضوع الوظيفة، وكذلك الزواج، فقد بلغت السابعة والعشرين من عمري، وأنا منذ كان عمري عشرين عامًا وأنا أُخطب ولا يتم الأمر، وزاد ما بي من الحزن تدخُّلُ الناس؛ فمن ناصح بالرقية، ومن قائلٍ: لا تضعي شروطًا ولا تُدقِّقي في مواصفات الخاطب، وأنا أعجب لهم جميعًا، فهل أنا أجلس فوق رؤوسكم؟!
وقد حدث موقف أصابني بالحزن؛ لأنه جاء من امرأة قريبة مني وأحبها، وهي تريد أن تراني عروسًا في أقرب وقت، وتذكُرني عند الناس، وقد رفضت مَن تقدَّمَ لي، فألقت باللائمة عليَّ، وقالت لأمي: لمَ رفضته ابنتكِ؟ وأنا لن أوافق على رجل غير كفءٍ، ولن أوافق إلا إذا كنت مستعدة نفسيًّا، الكل يريد أن يراني عروسًا، لكنهم لا يعلمون كم أعاني من تأخُّر زواجي،
سؤالي: هل هناك حكمة في تأخير زواجي، أو أنني مذنبة؟ وهل الحسد يمنع الزواج حقًّا؟ وكيف أتعامل مع مضايقات الناس حتى في موضوع الوظيفة؟ ففي كل مناسبة يسألونني؛ ما جعل في داخلي حزنًا عميقًا، فأنا أرى الناس كلهم يتقدمون وأنا واقفة في مكاني، ولا أعلم أين أذهب، فهل هذا اعتراض؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فمرحبًا أختي الكريمة، ونشكركِ على الثقة بهذا الموقع، واسمحي لي أن تكون الإجابة على شكل نقاط:
أولًا: سعادة الإنسان تنبع من الداخل.
ثانيًا: الضغوط في الحياة لا يمكن إيقاف مصادرها، وإنما التكيف معها ومزاحمتها بما يُخفِّف شِدَّتها من الأمور الجالبة للراحة والطمأنينة.
ثالثًا: الانصياع وراء رغبات ومشاعر الآخرين، والالتفات الدائم لآرائهم، يُرهِق النفس ويُبعِدها عن الاتزان النفسي.
رابعًا: بذل الأسباب المشروعة، ومنها: الرقية، وكذلك زيارة الطبيب إذا دعت الحاجة، أمرٌ مطلوب.
خامسًا: نصيب الإنسان من الأرزاق مكتوبٌ ومحسومٌ في السماء، ويُستجلَبُ الرزق بالدعاء وبذل الأسباب الصحيحة، ثم انتظار الفَرَج من الله سبحانه.
سادسًا: اجعلي لحياتكِ معنًى تسعين إليه وهدفًا جليلًا تبذلين فيه الوقت والمشاعر، وإلا تسللت إليكِ الأوهام، وثارت عليكِ الأوجاع.
سابعًا: لا تُعلِّقي سعادتكِ على أي أمر؛ بحيث لا تأنسين إلا بحصوله، وإنما المطلوب تلمُّسُ السعادة والسماح لها بالدخول إلى النفس، ولو كان الأمرُ بسيطًا.
ثامنًا: وخذيها قاعدة: لا تُشوِّقي نفسكِ ولا تتخذي أي قرار حيال أمرٍ لم يكتمل؛ حتى لا تُصدَمِي من فواتِه وعدم حدوثه.
تاسعًا: ردة فعلكِ وطريقة تفاعلكِ مع أي حدث من حولكِ هو الذي يُشكِّل النتيجة.
عاشرًا: الاسترسال وراء الأفكار السلبية يُرهِب النفس، ولا يجلب أي فائدة.
أحد عشر: مواجهة المخاوف تكون بالسعي وراء الطرق الملموسة والمحسوسة بعد التوكل على الله.
ثاني عشر: تأكَّدي من معايير قبول الخاطب، وانتبهي ألَّا تكوني مثالية، لا من حيث الشخص، ولا من حيث الوقت، فليس هناك رجُلٌ كامل، وليس هناك وقت مناسب مائة بالمائة.
سائلًا الله لكِ التوفيق والسداد، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
- التصنيف:
- المصدر: