أنت من تملك انطلاقة ذاتك
سائلة تسأل عن الشخصية الاجتماعية المتطورة والشخصية المتقوقعة السلبية، هل هذا بالاكتساب أو لتعويد الأهل علاقة بذلك؟
هل أسباب كراهية الإنسان لبيته، والشعور بالاكتئاب والملل، والحزن والسلبية -هل هي أسباب مكتسبة، أو هي بحسب ما يُعوِّد الأهل منذ الصغر؟ وهل عكس الأمر من حب الناس والأصدقاء، والاختلاط والزيارات، والذهاب إلى النوادي والأماكن العامة، وحب العمل والطموح واستغلال المواهب - هل ذلك أيضًا مكتسب أو بسبب تعويد الأهل؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فمرحبًا أختي الكريمة، ونشكركِ على الثقة بهذا الموقع.
أختي الكريمة، الحياة الدنيا متنوعة وشاملة لأصناف الأحوال والأمزجة، والأبواب مفتوحة للسعادة وللحزن، للانبساط وللضيق، وهناك أسباب للسعادة وأسباب أخرى للتعاسة.
والسعيد هو مَن يقتنص السعادة اقتناصًا، ويُضيِّق ويُحجِّم الكآبة؛ ذلك أن طريقة تعامل الإنسان مع المثيرات والأحداث المحيطة هي التي تحدد شعوره الداخلي.
تأملي مِن حولك: نفس المثير ونفس الحدث هناك مَن يتعامل معه بطريقة التضخيم والتفخيم، وهناك مَن يجعله في حجمه الطبيعي، ولا يسمح له بالتأثير على مزاجه، ومن ثَمَّ سلوكياته؛ يقول الله سبحانه: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]، في هذه الآية بيان واضح لطرق التعامل مع الأحداث من حولنا؛ حَسَنِها وسيئها، وكيفية التعامل معها، وكل موقف بحَسَبِهِ، وكيف ينقلب أثر التصرف السيئ إذا دفعناه بأحسن الطرق إلى وسيلة فاعلة لكسب القلوب، ونشر الصفاء والمودة.
والحاكم في هذه المواقف والمسيطر على ردات الأفعال هو قوة السيطرة الداخلية وضبط النفس؛ يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «ليس الشديد بالصُّرَعَةِ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»؛ [متفق عليه]؛ أي: إن الشدة والقوة ليست محصورة على اللياقة البدنية، وإنما تبدأ من السيطرة على المشاعر، ومن ثَمَّ السلوك والتصرفات.
وهذه المهارات تتولد مع الممارسة والتعويد، ومن أراد التغيير في حياته وتصرفاته، فينبغي عليه ألَّا يبحث عن سبب التقصير: أهو من الأهل أم المجتمع؟ لأن هذا من الحيل النفسية التي تُشعِر الإنسان بخُلوِّ ساحته من المسؤولية، وتسمى هذه (حيلة الإسقاط)، إسقاط مسؤولية الفشل والاستسلام على الآخرين، ومن ثَمَّ يشعر الإنسان بالراحة، ويتوقف تأنيب الضمير، ليصحوَ على خيبات الأمل، والتقوقع على الذات.
الذي يُحِبُّ نفسه عليه أن يُكرِمَها، وأن يبحث لها عن حلول منطقية وعملية تصل به إلى بَرِّ الأمان والسعادة والرضا.
والذي لا يحنو على نفسه لن يرحم غيره أبدًا ولن ينفعه، فإن السعادة تنبع من الداخل، وكيف بالبركان أن يثورَ بغير الحُمَمِ التي ضاق بها ذرعًا، ليقذِفَها إلى الخارج.
وكلما ركَّز الإنسان فِكْرَهُ على النقاط الإيجابية مِن حوله، تفاعل معها وأحسَّ بالسعادة تغمُرُه من كل جانب، وكلما صنع الإنسان لحياته معنًى يشتاق لتحقيقه، واستيقظ من منامه ينهض مستنفرًا للوصول إليه، عاش براحة وطمأنينة ورضًا عن النفس؛ ذلك أن الارتباط بالإنجازات، والرقي بالذات إلى ما تستحق من مكانة علمية أو عملية أو اجتماعية - يُشعِر المرءَ بقيمته وقيمة الحياة من حوله.
سائلًا الله لكِ التوفيق والسعادة، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
- التصنيف: