لا يجوز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر بسبب اشتداد الحرِّ

منذ 2016-02-27
السؤال:

في ظل هذه الأجواء الحارة التي تسود منطقتنا في هذه الأيام، فهل يجوز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر بسبب اشتداد الحر؟ 

 

الإجابة:

 أولاً: إن شدة الحرِّ آيةٌ من آيات الله عز وجل، ومطلوبٌ من المسلم الاعتبار بشدة الحرِّ وتذكر حرِّ نار جهنم، قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}

[سورة آل عمران الآية 191]. 

ولا شك أن حرَّ الصيف في هذه الدنيا، لا بدَّ أن يذكرنا بحرِّ جهنم في الآخرة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [سورة التحريم الآية 6]. 

وقال تعالى: { فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [سورة النازعات الآيات 34-39].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحرِّ من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنَفَسَين، نَفَسٌ في الشتاء، ونَفَسٌ في الصيف، فهو أشدُّ ما تجدون من الحرِّ، وأشد ما تجدون من الزمهرير» (رواه البخاري ومسلم)

والزمهرير: شدة البرد.

وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تدنو الشمس يوم القيامة من الخَلق، حتى تكون منهم كمقدار ميلٍ، فيكون الناسُ على قَدْرِ أعمالهم فى الْعَرَقِ، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حَقْوَيْهِ، ومنهم من يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إلجاماً» (رواه مسلم).

وغير ذلك من النصوص.

وإذا كان الأمر بهذا الهول وهذه الفظاعة، فما على المسلم الكَيِّسِ الفَطِنِ سوى الاعتبار والاتعاظ والاستعداد لذلك اليوم الرهيب، ولا شك أن طاعة الله عز وجل هي سبيل النجاة من تلك الأهوال، وحتى يكون مع الذين يُظلهم الله بظله، كما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعةٌ يظلهم الله في ظله، الإمام العادل، وشابٌ نشأ في عبادة ربه، ورجلٌ قلبه معلقٌ في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجلٌ طلبته امرأة ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شمالُه ما تنفق يمينهُ، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه» (رواه البخاري ومسلم).

 

ثانياً: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين صلاتي الظهر والعصر بسبب شدة الحرِّ، مع العلم أن المدينة النبوية شديدة الحرارة صيفاً، ولكن ورد أنه صلى اله عليه وسلم أمر بالإبراد بالظهر عند شدة الحرِّ. وقد وردت عدة أحاديث في ذلك، منها: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اشتدَّ الحرُّ فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحرِّ من فيح جهنم»  (رواه البخاري ومسلم). 

وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحرِّ من فيح جهنم» (رواه البخاري).

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأراد المؤذنُ أن يُؤذن للظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:”أبرد” ثم أراد أن يؤذن؛ فقال له:”أبرِد”، حتى رأينا فيء التلول؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن شدة الحرِّ من فيح جهنم، فإذا اشتد الحرُّ فأبردوا بالصلاة» (رواه البخاري ومسلم).

وغير ذلك من الأحاديث.

 

ثالثاً: المراد بالإبراد في هذه الأحاديث هو تأخير صلاة الظهر عن أول وقتها، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: "قال الخطابي: قوله (أبردوا بالصلاة) أي: تأخروا عنها مبردين، أي: داخلين في وقت البرد. قال: والمراد: كسر شدة حرِّ الظهيرة؛ لأن فتور حرِّها بالإضافة إلى وهج الهاجرة برد" (فتح الباري 4/30).

وقال الشيخ سليمان الماجد: [اختلف العلماء في علة الإبراد على قولين:

الأول: أنه لأجل تأذي المصلين من الحرِّ في الطريق إلى المسجد، أو أثناء الصلاة، وقالوا في حكمة ذلك إنه الرفق بالناس، أو المحافظة على الخشوع في الصلاة. واستدلوا لقولهم بما دلت عليه كلمة “الإبراد”؛ فحملوه على حقيقته.

الثاني: أنه تعبدٌ لا يُعقل معناه، والمقصود منه أن لا تُؤدى الصلاةُ قرب تسعير جهنم؛ بل تؤخر قليلاً عن ذلك حتى يكون ظل الأشياء ظاهراً. واستدلوا لذلك بحديث جابر بن عبد الله قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة» (رواه الشيخان) 

وأصحهما هو القول الثاني؛ لما يلي:

1. ثبوتُ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الظهرَ في شدة الحرِّ في جمعٍ من الأحاديث، منها حديث جابر المذكور. ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

«كنا نصلي مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في شدة الحرِّ، فإذا لم يستطع أحدُنا أن يُمكِّنَ جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه» (أخرجه البخاري ومسلم). 

وفي رواية النسائي قال: «كنا إذا صلينا خلف النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالظَّهائِرِ، سجدنا على ثيابنا اتِّقاءَ الحرِّ» 

قال ابن دقيق العيد في “شرح العمدة” (1/94): الهاجرة: هي شدة الحرِّ بعد الزوال، وقال في “المصباح”: الهاجرة نصف النهار، في القيظ خاصة. ولو كان المقصود ما يصيب الناس من الحرِّ لما صلى في الهاجرة.

ومنها ما ثبت في حديث خباب بن الأرتِّ رضي الله عنه قال: «شكونا إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يُشْكِنا، قال زهير: قلت لأبي إسحاق: أفي الظهر؟ قال: نعم، قلت: أفي تعجيلها؟ قال: نعم» (رواه مسلم). 

 

فكأنهم طلبوا الصلاة في آخر وقتها حتى ينكسر الحرُّ، فلم يجبهم إلى طلبهم. قال ابن رجب في “فتح الباري” (3/81) (.. وفيه دليل على أن صلاة الظهر كانت تُصلى في حال شدة حرِّ الحصى الذي يسجد عليه)…ففي هذه الأحاديث دليلٌ على أنه لم يكن يبرد بالصلاة إبراداً تذهب معه شدة الحرِّ؛ وحيث لم تثبت معقولية المعنى فلم يبق إلا التعبد..

 

2. من حيث المعنى وواقع الحال: فإنه من المعلوم عند أهل الخبرة: أن الحرَّ في الأرض يشتدُ بعد الزوال؛ لا أنه يخف؛ حتى كان المعتمد عند المتخصصين في الأرصاد الجوية أن أعلى درجة للحرارة في النهار تُسجل عند الساعة الثانية، ثم تبدأ بعد ذلك بالتناقص…فلو كان المعنى تأذي الناس بالحرِّ؛ لكان المناسب العقلي أن يُعجل بالصلاة بعد الزوال مباشرة وقبل اشتداد الحر الذي يتزايد؛ حتى تصل ذروتُه الساعة الثانية ظهراً.فهنا ثبت أن المقصود أمرٌ غيبيٌ تعبديٌ وهو تسعير نار جهنم؛ لا تأذي الناس بالحرِّ.

قال ابن تيمية في “شرح العمدة” (1/198): (فلما قال: “فإن شدة الحر من فيح جهنم”، وعلل بعلةٍ تُعلم بالوحي، عُلِم أنه قصد معنىً يخفى على أكثر الناس؛ وهو كراهة إيقاع الصلاة حال تسعير النار؛ كما كره إيقاعها وقت مقارنة الشيطان لها).

 

3. جاء في حديث أبي ذر المذكور الأمر بالإبراد وكان ذلك في سفر؛ فالطريق ومحل الصلاة كانا تحت أشعة الشمس؛ فلم يظهر بهذا أن المصلي هو المقصود؛ وإنما هو الصلاة؛ فانتفى بذلك معنى تأذي الناس بالحرِّ؛ أو إرادة الانتفاع بظل الحيطان؛ فلم يبق إلا التعبد.

 

4.  قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن شدة الحر من فيح جهنم». 

فقد كان في سياق التعليل، وليس وصفاً كاشفاً للحال؛ فإن شدة الحرِّ معلومةٌ للناس، والأصل إرادة التعليل. وقد ثبت عند النسائي من حديث أبي موسى مرفوعاً: «أبردوا بالظهر، فإن الذي تجدون من الحرِّ من فيح جهنم» 

وهذه الرواية أظهر في أن السبب هو تسعير النار، لا حرارة وجه الأرض… وقد جاء في نحو هذا المعنى حديث عمرو بن عبسة: «فإذا اعتدل النهار فأقصر يعني عن الصلاة، فإنها ساعة تُسَجَّرُ فيها جهنم» (رواه مسلم)

قال العراقي في “طرح التثريب” (2/201) عن أحاديث الإبراد:

"ويمكن أن تكون العلة في ذلك أنه وقتٌ يفوح فيه حرُّ جهنم ولهيبُها، وهو ظاهر قوله: (فإن شدة الحرِّ من فيح جهنم) وكونها ساعة يفوح فيها لهب جهنم وحرُّها يقتضي الكف عن الصلاة".

ومما يؤكد هذا المعنى أن سنته صلى الله عليه وسلم الدائمة في الظهر هو تعجيلها بعد الزوال مباشرة؛ فكان يخالف هذه السنة في الحرِّ بتأخيرها عن التعجيل قليلاً؛ رعايةً لهذا المعنى، وقد صح التعجيلُ في جملةٍ من الأحاديث منها:

ما ثبت في الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت أحداً كان أشدَّ تعجيلاً للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أبي بكر ولا من عمر». 

 

5. "وقت الإبراد قصيرٌ جداً، وما عليه الناس اليوم من تأخير إقامة الظهر عن الزوال بـخمس عشرة دقيقة كافٍ في تحقق الإبراد الشرعي" بتصرف من موقع الشيخ سليمان بن عبدالله الماجد

 

رابعاً: من المعلوم أن وقت الظهر موسعٌ، والأفضل أن تُؤدى الصلاةُ في أول وقتها، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم:أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها» (رواه البخاري ومسلم). 

ولا حرج في أداء الصلاة في أول الوقت الموسع، أو في وسطه، أو في آخره، لا حرجَ في ذلك كله، فإذا أُخرت صلاةُ الظهر في الحرِّ الشديد إلى وسط الوقت أو آخر الوقت، فصُليت قبل دخول العصر بنصف ساعةٍ مثلاً، لا حرجَ في ذلك من أجل دفع المشقة. وقد قال بتأخيرها جماعةٌ من العلماء [‏قد اختار قومٌ من أهل العلم تأخيرَ صلاة الظهر في شدة الحرِّ، وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق ‏‏وهو قول أبي حنيفة].  تحفة الأحوذي 1/415

 

وخلاصة الأمر أن شدة الحرِّ آيةٌ من آيات الله عز وجل، ومطلوبٌ من المسلم الاعتبار بشدة الحرِّ وتذكر حرِّ نار جهنم،

وأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين صلاتي الظهر والعصر بسبب شدة الحرِّ، مع العلم أن المدينة النبوية شديدة الحرارة صيفاً، ولكن ورد أنه صلى اله عليه وسلم أمر بالإبراد بالظهر عند شدة الحرِّ

وأن المراد بالإبراد هو تأخير صلاة الظهر عن أول وقتها. 

وأن العلماء قد اختلفوا في علة الإبراد فقال بعضهم لأجل تأذي المصلين من الحرِّ في الطريق إلى المسجد، أو أثناء الصلاة، وقالوا في حكمة ذلك إنه الرفق بالناس، أو المحافظة على الخشوع في الصلاة.

وقال آخرون إنه تعبدٌ لا يُعقل معناه، والمقصود منه أن لا تُؤدى الصلاةُ قرب تسعير جهنم؛ بل تؤخر قليلاً عن ذلك حتى يكون ظل الأشياء ظاهراً.

وأن وقت الظهر موسعٌ، ولا حرج في أداء الصلاة في أول الوقت الموسع، أو في وسطه، أو في آخره، لا حرجَ في ذلك كله، فإذا أُخرت صلاةُ الظهر في الحرِّ الشديد إلى وسط الوقت أو آخر الوقت، فصُليت قبل دخول العصر بنصف ساعةٍ مثلاً، لا حرجَ في ذلك من أجل دفع المشقة. وقد قال بتأخيرها جماعةٌ من العلماء.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 12
  • 3
  • 53,521

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً