حكم من دفع زكاته إلى غير مستحقها

منذ 2008-07-11
السؤال: وقعتُ في مشكلة فأَنْقِذني منها، وذلك أنه كان عندي مبلغ من النقود زكاة.
فتوسمت في رجل من أهل الخير، وكنت أدفع له منها شيئا فشيئا، أظنه فقيرا محتاجا، مع ظني أنه من عباد الله الصالحين. فتبين لي بعد ذلك أن الرجل غني، ومكار مخادع. فهل يلزمني أن أحسب جميع المبالغ التي دفعتها إليه، وأغرمها مرة ثانية، وأعطيها للفقراء أم أطالبه بها وأستردها منه، ولربما ينكر، وليس عندي عليه بينة أم أنها تجزئ إن شاء الله على حسب النية؟ أفتونا مأجورين.
الإجابة: أما أنت فقد أحسنت؛ إذ دفعت زكاتك إلى من توسمت فيه الصلاح والفقر، وظننته من أهلها. وأما هو فقد أساء وتجرأ على ما لم يبح له. وسيلقى جزاءه إن لم يتب إلى الله، وعلى كلٍّ، فزكاتك بلغت مبلغها، ولا يجب عليك أداؤها مرة ثانية.

وقد نص الفقهاء رحمهم الله: على أن الرجل إذا أعطى زكاته لمن ظنه أهلا، فبان خلافه، كما لو دفعها لمن ظنه مسلما، فبان كافراً لم تُجْزِ عنه؛ لأنه لا يخفى غالبا، وكدين الآدمي؛ إلا إذا أعطاها غنياً ظنه فقيراً فتجزئه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين الجلدين، وقال: "إن شئتما أعطيتكما منها، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب" (1).

وقال المجد بن تيمية في (المنتقى)، باب: من دفع صدقته إلى من ظنه من أهلها، فبان غنيا. عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "قال رجل: لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق على سارق. فقال: اللهم لك الحمد على سارق! لأتصدقن بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية. فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق الليلة على زانية. فقال: اللهم لك الحمد على زانية! فقال: لأتصدقن بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد غني. فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق على غني. فقال: اللهم لك الحمد على زانية، وعلى سارق، وعلى غني! فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قُبلت؛ أما الزانية فلعلها تستعف به من زناها، ولعل السارق أن يستعف به عن سرقته، ولعل الغني أن يعتبر فينفق مما آتاه الله عز وجل" (متفق عليه) (2).

قال الشارح محمد بن علي الشوكاني في (نيل الأوطار) (3): وفي قوله: "اللهم لك الحمد"، أي: لأن صدقتي وقعت في يد من لا يستحقها، فلك الحمد؛ حيث كان ذلك بإرادتك لا بإرادتي، وأنه سلَّم، وفوض، ورضي بقضاء الله، فحمد الله سبحانه على تلك الأحوال، لا يحمد على المكروه سواه.

وفي الحديث دلالة على أن الصدقة كانت عندهم مختصة بأهل الحاجة من أهل الخير؛ ولهذا تعجبوا. وفيه أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته، ولو لم تقع الموقع. انتهى.

___________________________________________

1 - أخرجه أحمد (4/ 224)، وأبو داود (1633)، والنسائي (5/ 99)، والبيهقي (7/ 14) من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبيد الله بن عدي: أن رجلين حدثاه أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، به.
2 - البخاري (1421)، ومسلم (1022)، وأحمد (2/ 322،350).
3 - (4/ 467).

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

كان الشيخ عضوا في مجلس القضاء الأعلى ومن هيئة كبار العلماء في المملكة. توفي رحمه الله عام 1432هـ .

  • 2
  • 0
  • 21,066

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً