الاستدلال بحديث الشفاعة على عدم كفر تارك الصلاة
منذ 2008-07-18
السؤال: استدل بعض العلماء على عدم كفر تارك الصلاة بحديث الشفاعة الطويل الذي
أخرجه البخاري ومسلم، وبحديث عبادة ابن الصامت: " "، فما قولكم حفظكم الله تعالى؟
الإجابة: حديث الشفاعة الذي استدل به من لا يرى كفر تارك الصلاة عام، مخصوص بمن
قال: "لا إله إلا الله" وأتى مكفراً، مثل أن يقول: "لا إله إلا الله"
وهو ينكر تحريم الربا، أو فرضية الصلاة ونحو ذلك، لم يخرج من النار
بشفاعة ولا غيرها، فكذلك من قال: "لا إله إلا الله" وترك الصلاة، فإنه
لا يخرج من النار بشفاعة ولا غيرها، لأنه كافر فأي فرق بين من كفر
بجحد فرضية الصلاة مع نطقه بالشهادة ومن كفر بترك الصلاة مع نطقه
بالشهادة؟!! فكما أن الأول لا يدخل في الحديث فكذلك الثاني.
وأيضاً فإن قوله: " " عام، يدخل فيه من لم يصل، لأن الصلاة من الخير، ولكن هذا العموم خص بالأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة فيخرج تارك الصلاة من عمومه كما هو الشأن في العمومات المخصوصة.
وأما حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقد رواه مالك في (الموطأ 1/254-255) عن عبادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " " رواه مالك عن يحي بن سعيد، عن محمد بن يحي بن حبان، عن ابن محيريز أن رجلاً من كنانة يدعى المخدجي، والمخدجي قال ابن عبد البر عنه: هو مجهول لا يعرف بغير هذا الحديث. وقد رواه (أبو داود 2/62) من طريق مالك بلفظه. وقد رواه (النسائي 1/186) من طريق مالك بلفظه أيضاً، ورواه الإمام أحمد في (المسند 5/315) موافقاً لمالك في يحي بن سعيد فمن فوقه بلفظ مالك إلا أنه قال: " "، ورواه أيضاً (5/319) موافقاً لمالك في يحي بن سعيد فمن فوقه بنحو لفظ مالك، ورواه أيضاً (5/322) موافقاً لمالك في محمد بن يحي بن حبان فمن فوقه بلفظ: " "، ورواه أيضاً (5/317) قال: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي أن عبادة بن الصامت قال: أشهد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " "، ورواه أبو داود (1/115) موافقاً لأحمد في محمد بن مطرف فمن فوقه بلفظ أحمد إلا أنه لم يذكر سجودهن، ورواه (ابن ماجه 1/448) موافقاً لمالك في محمد بن يحي بن حبان فمن فوقه بلفظ: " ".
فأنت ترى هذا الحديث واضطراب الرواة في لفظه، وأن أحد رواته في الموطأ مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث كما قال بن عبد البر، وترى رواية المسند (5/317) وأبي داود (1/115) أسلم من حيث الإسناد وفيها أن تعليق المغفرة بالمشيئة فيمن لم يأت بهن على وجه الكمال، فلا يكون فيه دليل على أن تارك الصلاة تركاً مطلقاً داخل تحت المشيئة فلا يعارض النصوص الدالة على كفره.
وأما لفظ رواية مالك: " " فيحمل على أن المراد لم يأت بهن غير مضيع منهن شيئاً، ويؤيد ذلك لفظ رواية ابن ماجه، وعلى هذا فتكون رواية مالك موافقة لرواية أحمد (5/317).
والحاصل أن هذا الحديث لا يعارض النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة لصحتها وصراحتها، وعلى هذا تبقى أدلة الكفر قائمة سالمة من المعارض المقاوم، وحينئذ يجب العمل بمقتضاها، ويحكم بكفر من ترك الصلاة تركاً مطلقاً، سواء جحد وجوبها، أو أقر به ولكن تركها تهاوناً وكسلاً، ولا يصح أن تحمل هذه الأدلة على أن المراد بها كفر دون كفر، أو أن المراد من تركها جاحداً.
أما الأول: فلأننا لا يحل لنا أن نحمل أدلة الكفر على ذلك إلا حيث يقوم دليل صحيح على منع حملها على الكفر المطلق المخرج عن الملة، ولا دليل هنا. ولأنه قد قام الدليل على أن المراد به الكفر المطلق المخرج من الملة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " "، فذكر الكفر معرفاً بـ: "ال" فدل ذلك أنه الكفر المطلق، ولأنه صلى الله عليه وسلم جعل ذلك حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر، والمتحادان لا يجتمعان لانفصال بعضهما عن بعض.
وأيضاً فإن الله تعالى قال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}، فجعل ثبوت الأخوة في الدين مشروطاً بالتوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، ولا تنتفي الأخوة في الدين إلا بالكفر المخرج من الدين أما المعاصي مهما عظمت فلا تنتفي بها الأخوة الدينية، ولهذا جعل الله تعالى القاتل عمداً أخاً للمقتول مع أن القتل عمداً من كبائر الذنوب.
وأما الثاني: فلأننا لو حملنا نصوص الترك على من تركها جاحداً لوجوبها لكان في ذلك محذوران:
- المحذور الأول: إلغاء الوصف الذي علق الشارع الحكم به وهو الترك، وذلك لأن الجحود موجب للكفر سواء صلى الإنسان أم ترك الصلاة فيكون ذكر الشارع للترك لغواً من القول لا فائدة فيه سوى إيجاد الغموض والإشكال.
- المحذور الثاني: إدخال قيد في النصوص لم يقم الدليل عليه، وهذا يقتضي تخصيص لفظ الشارع أو تقييده بما لا دليل عليه فيكون قولاً على الله بلا علم والله المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ رحمه الله - الجزء الثاني عشر.
وأيضاً فإن قوله: " " عام، يدخل فيه من لم يصل، لأن الصلاة من الخير، ولكن هذا العموم خص بالأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة فيخرج تارك الصلاة من عمومه كما هو الشأن في العمومات المخصوصة.
وأما حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقد رواه مالك في (الموطأ 1/254-255) عن عبادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " " رواه مالك عن يحي بن سعيد، عن محمد بن يحي بن حبان، عن ابن محيريز أن رجلاً من كنانة يدعى المخدجي، والمخدجي قال ابن عبد البر عنه: هو مجهول لا يعرف بغير هذا الحديث. وقد رواه (أبو داود 2/62) من طريق مالك بلفظه. وقد رواه (النسائي 1/186) من طريق مالك بلفظه أيضاً، ورواه الإمام أحمد في (المسند 5/315) موافقاً لمالك في يحي بن سعيد فمن فوقه بلفظ مالك إلا أنه قال: " "، ورواه أيضاً (5/319) موافقاً لمالك في يحي بن سعيد فمن فوقه بنحو لفظ مالك، ورواه أيضاً (5/322) موافقاً لمالك في محمد بن يحي بن حبان فمن فوقه بلفظ: " "، ورواه أيضاً (5/317) قال: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي أن عبادة بن الصامت قال: أشهد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " "، ورواه أبو داود (1/115) موافقاً لأحمد في محمد بن مطرف فمن فوقه بلفظ أحمد إلا أنه لم يذكر سجودهن، ورواه (ابن ماجه 1/448) موافقاً لمالك في محمد بن يحي بن حبان فمن فوقه بلفظ: " ".
فأنت ترى هذا الحديث واضطراب الرواة في لفظه، وأن أحد رواته في الموطأ مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث كما قال بن عبد البر، وترى رواية المسند (5/317) وأبي داود (1/115) أسلم من حيث الإسناد وفيها أن تعليق المغفرة بالمشيئة فيمن لم يأت بهن على وجه الكمال، فلا يكون فيه دليل على أن تارك الصلاة تركاً مطلقاً داخل تحت المشيئة فلا يعارض النصوص الدالة على كفره.
وأما لفظ رواية مالك: " " فيحمل على أن المراد لم يأت بهن غير مضيع منهن شيئاً، ويؤيد ذلك لفظ رواية ابن ماجه، وعلى هذا فتكون رواية مالك موافقة لرواية أحمد (5/317).
والحاصل أن هذا الحديث لا يعارض النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة لصحتها وصراحتها، وعلى هذا تبقى أدلة الكفر قائمة سالمة من المعارض المقاوم، وحينئذ يجب العمل بمقتضاها، ويحكم بكفر من ترك الصلاة تركاً مطلقاً، سواء جحد وجوبها، أو أقر به ولكن تركها تهاوناً وكسلاً، ولا يصح أن تحمل هذه الأدلة على أن المراد بها كفر دون كفر، أو أن المراد من تركها جاحداً.
أما الأول: فلأننا لا يحل لنا أن نحمل أدلة الكفر على ذلك إلا حيث يقوم دليل صحيح على منع حملها على الكفر المطلق المخرج عن الملة، ولا دليل هنا. ولأنه قد قام الدليل على أن المراد به الكفر المطلق المخرج من الملة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " "، فذكر الكفر معرفاً بـ: "ال" فدل ذلك أنه الكفر المطلق، ولأنه صلى الله عليه وسلم جعل ذلك حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر، والمتحادان لا يجتمعان لانفصال بعضهما عن بعض.
وأيضاً فإن الله تعالى قال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}، فجعل ثبوت الأخوة في الدين مشروطاً بالتوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، ولا تنتفي الأخوة في الدين إلا بالكفر المخرج من الدين أما المعاصي مهما عظمت فلا تنتفي بها الأخوة الدينية، ولهذا جعل الله تعالى القاتل عمداً أخاً للمقتول مع أن القتل عمداً من كبائر الذنوب.
وأما الثاني: فلأننا لو حملنا نصوص الترك على من تركها جاحداً لوجوبها لكان في ذلك محذوران:
- المحذور الأول: إلغاء الوصف الذي علق الشارع الحكم به وهو الترك، وذلك لأن الجحود موجب للكفر سواء صلى الإنسان أم ترك الصلاة فيكون ذكر الشارع للترك لغواً من القول لا فائدة فيه سوى إيجاد الغموض والإشكال.
- المحذور الثاني: إدخال قيد في النصوص لم يقم الدليل عليه، وهذا يقتضي تخصيص لفظ الشارع أو تقييده بما لا دليل عليه فيكون قولاً على الله بلا علم والله المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ رحمه الله - الجزء الثاني عشر.
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
- التصنيف: