كيف يفعل من طلب منه التصوير في الامتحان؟

منذ 2008-09-10
السؤال: ما حكم التصوير؟ وكيف يفعل من طلب منه التصوير في الامتحان؟ وما حكم مشاهدة الصور التي في المجلات والتلفزيون؟
الإجابة: سؤالكم عن التصوير، فالتصوير نوعان:

. أحدهما: أن يكون تصوير غير ذوات الأرواح كالجبال والأنهار والشمس، والقمر، والأشجار فلا بأس به عند أكثر أهل العلم، وخالف بعضهم فمنع تصوير ما يثمر كالشجر والزروع ونحوها، والصواب قول الأكثر.

. الثاني: أن يكون تصوير ذوات الأرواح، وهذا على قسمين:

- القسم الأول: أن يكون باليد فلا شك في تحريمه وأنه من كبائر الذنوب، لما ورد فيه من الوعيد الشديد مثل حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه في جهنم" (أخرجه مسلم: كتاب اللباس / باب تحريم تصوير صورة الحيوان)، وحديث أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن آكل الربا، وموكله، والواشمة، والمستوشمة، والمصور" (أخرجه البخاري: كتاب اللباس / باب من لعن المصور)، وحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله" (رواه البخاري ومسلم)، وفي رواية مسلم: "الذين يشبهون بخلق الله"، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة" (رواه البخاري ومسلم).
والتصوير المذكور ينطبق على التصوير باليد بأن يخطط الإنسان الصورة بيده حتى يكلمها فتكون مثل الصورة التي خلق الله تعالى، لأنه حاول أن يبدع كإبداع الله تعالى ويخلق كخلقه، وإن لم يقصد المشابهة لكن الحكم إذا علق على وصف تعلق به، فمتى وجد الوصف وجد الحكم، والمصور إذا صنع الصورة تحققت المشابهة بصنعه وإن لم ينوها، والمصور في الغالب لا يخلو من نية المضاهاة، ولذلك تجده يفخر بصنعه كلما كانت الصورة أجود وأتقن.
وبهذا تعرف سقوط ما يموه به بعض من يستسيغ التصوير من أن المصور لا يريد مشابهة خلق الله، لأننا نقول له: المشابهة حصلت بمجرد صنعك شئت أم أبيت.
ولهذا لو عمل شخص عملاً يشبه عمل شخص آخر لقلنا نحن وجميع الناس: إن عمل هذا يشبه عمل ذاك وإن كان هذا العامل لم يقصد المشابهة.

- القسم الثاني: أن يكون تصوير ذوات الأرواح بغير اليد، مثل التصوير بالكاميرا التي تنقل الصور التي خلقها الله تعالى على ما هي عليه، من غير أن يكون للمصور عمل في تخطيطها سوى تحرك الآلة التي تنطبع بها الصورة على الورقة، فهذا محل نظر واجتهاد، لأنه لم يكن معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وعهد الخفاء الراشدين، والسلف الصالح، ومن ثم اختلف فيه العلماء المتأخرون:

* فمنهم من منعه، وجعله داخلاً فيما نهي عنه نظراً لعموم اللفظ له عرفاً.
* ومنهم من أحله نظراً للمعنى، فإن التصوير بالكاميرا لم يحصل فيه من المصور أي عمل يشابه به خلق الله تعالى، وإنما انطبع بالصورة خلق الله تعالى على الصفة التي خلقه الله تعالى عليها، فإنك إذا صورة الصك فخرجت الصورة لم تكن الصورة كتابتك، بل كتابة من كتب الصك انطبعت على الورقة بواسطة الآلة، فهذا الوجه أو الجسم المصور ليست هيئته وصورته وما خلق الله فيه من العينين، والأنف، والشفتين، والصدر، والقدمين وغيرها، ليست هذه الهيئة والصورة بتصويرك أو تخطيطك بل الآلة نقلتها على ما خلقها الله تعالى عليه وصورها، بل زعم أصحاب هذا القول أن التصوير بالكاميرا لا يتناوله لفظ الحديث كما لا يتناوله معناه، فقد قال في القاموس: الصورة الشكل قال: وصور الشيء قطعه وفضله. قالوا وليس في التصوير بالكاميرا تشكيل ولا تفصيل، وإنما هو نقل شكل وتفصيل شكله وفصله الله تعالى، قالوا: والأصل في الأعمال غير التعبدية الحل إلا ما أتي الشرع بتحريمه كما قيل:
والأصل في الأشياء حل وامنع *** عبادةً إلا بإذن الشارع
فإن يقع في الحكم شك فارجع *** للأصل في النوعين قم اتبع

والقول بتحريم التصوير بالكاميرا أحوط، والقول بحله أقعد، لكن القول بالحل مشروط بأن لا يتضمن أمراً محرماً، فإن تضمن أمراً محرماً كتصوير امرأة أجنبية، أو شخص ليعلقه في حجرته تذكاراً له، أو يحفظه فيما يسمونه (ألبوم)، ليتمتع بالنظر إليه وذكراه، كان ذلك محرماً لأن اتخاذ الصور واقتناءها في غير ما يمتهن حرام عند أهل العلم أو أكثرهم، كما دلت على ذلك السنة الصحيحة.

ولا فرق في حكم التصوير بين ما له ظل وهو المجسم، وما لا ظل له لعموم الأدلة في ذلك وعدم المخصص.

ولا فرق أيضاً في ذلك بين ما يصور لعباً ولهواً وما يصور على السبورة لترسيخ المعنى في أفهام الطلبة كما زعموا، وعلى هذا فلا يجوز للمدرس أن يرسم على السبورة صورة إنسان أو حيوان.

وإن دعت الضرورة إلى رسم شيء من البدن فليصور منفرداً، بأن يصور الرجل وحدها، ثم يشرح ما يحتاج إلى شرح منها، ثم يمسحها ويصور البدن كذلك ثم يمسحها، ويصور الرأس وهكذا كل جزء وحده، فهذا لا بأس به إن شاء الله تعالى.

وأما من طلب منه التصوير في الامتحان: فليصور شجرة أو جبلاً أو نهراً، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، مع أني لا أظن ذلك يطلب منه إن شاء الله تعالى.

وأما مشاهدة الصور في المجلات والصحف والتليفزيون: فإن كانت صور غير آدمي فلا بأس بمشاهدتها، لكن لا يقتنيها من أجل هذه الصور.
وإن كانت صور آدمي: فإن كان يشاهدها تلذذاً أو استمتاعاً بالنظر فهو حرام، وإن كان غير تلذذ ولا استمتاع ولا يتحرك قلبه ولا شهوته بذلك، فإن كان ممن يحل النظر إليه كنظر الرجل إلى الرجل ونظر المرأة إلى المرأة أو إلى الرجل أيضاً على القول الراجح فلا بأس به، لكن لا يقتنيه من أجل هذه الصور، وإن كان ممن لا يحل له النظر إليه كنظر الرجل إلى المرأة الأجنبية فهذا موضع شك وتردد، والاحتياط أن لا ينظر خوفاً من الفتنة، وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها" (أخرجه البخاري: كتاب النكاح / باب لا تباشر المرأة المرأة)، والنعت بالصورة أبلغ من النعت بالوصف إلا أن هذا الحديث رواه الإمام أحمد من وجه آخر بلفظ: "لتنعتها لزوجها"، وذكر في فتح الباري ص 338 ج 9 الطبعة السلفية أن النسائي زاد في روايته: "في الثوب الواحد"، وهو مفهوم من قوله: "لا تباشر"، ومجموع الروايات يقتضي أن الزوجة عمدت إلى مباشرة المرأة لتصف لزوجها ما تحت الثياب منها، ومن أجل هذا حصل عندنا الشك والتردد في جواز نظر الرجل إلى صورة المرأة في الصحف والمجلات والتليفزيون، والبعد عن وسائل الفتن مطلوب، والله المستعان.

. سؤال: جاء في الفتوى فيما يتعلق بمشاهدة الصور ما نصه: "وإن كان ممن لا يحل له النظر إليه كنظر الرجل إلى المرأة الأجنبية فهذا موضع شك وتردد والاحتياط أن لا ينظر خوفاً من الفتنة"، فهذا يفهم منه أن فضيلتكم لا يرى بأساً في نظر الرجل إلى الصورة ولو كانت صورة امرأة أجنبية فنرجو التوضيح؟

. الجواب: النقطة التي أشار إليها السائل وهي أنه يفهم من كلامنا أننا لا نرى بأساً في نظر الرجل إلى الصورة ولو كانت صورة امرأة أجنبية فنقول هذه النقطة فيها تفصيل:

فإن كانت امرأة معينة ونظر إليها نظر تلذذ وشهوة فهذا حرام، لأن نفسه حينئذ تتعلق بها وتتبعها وربما يحصل بذلك شر وفتنة، فإن لم ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة وإنما هي نظرة عابرة لم تحرك له ساكناً، ولم توجب له تأملاً فتحريم هذه النظر فيه نظر، فإن إلحاق نظر الصورة بنظر الحقيقة غير صحيح، لما بينهما من الفرق العظيم في التأثير، لكن الأولى البعد عنه لأنه قد يفضي إلى نظر التأمل ثم التلذذ والشهوة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها" (رواه البخاري)، ورواه أحمد وأبو داود بلفظ: "لتنعتها لزوجها"، واللام للتعليل.

وأما إن كانت الصورة لامرأة غير معينة فلا بأس بالنظر إليها إذا لم يخش من ذلك محذور شرعي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى ورسائل الشيخ رحمه الله - الجزء الثاني عشر.

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 22
  • 0
  • 62,684

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً