الإنسان مُسَيَّرٌ أم مُخَيَّرٌ؟
هل الإنسان مُسَيَّرٌ أم مُخَيَّرٌ؟
الحمد لله، وبعد:
الملائكة والشياطين والإنس والجن، وجميع ما في هذا الوجود، كله خلق الله، وكله واقع بتقدير الله وقضائه ومشيئته وبقدرته، فالشياطين وأعمالهم، والكفرة وأعمالهم، لا خروج لأحد منهم عن مشيئته سبحانه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والله تعالى خلَق الخير والشر، وخلق هذه الأضداد لحكم بالغة، منها ما يظهر للعباد، ومنها ما يخفى عليهم، وهو الأكثر، فإن عقول العباد لا تحيط بما لله من الحِكم البالغة في شرعه وقدره، وقد جعل الله الملائكة والشياطين ضدين، فالملائكة عباد مكرمون مطيعون عابدون لربهم، يحبون ما يحبه الله، ويبغضون ما يبغضه، ويدعون إلى مراضيه، يحبون المؤمنين ويستغفرون لهم، والشياطين أشرار يحبون ما يبغضه الله، ويدعون إلى معاصيه والكفر به، ويحبون الكافرين ويؤذون المؤمنين، ولهذا فكل إنسان قد ابتلي بقرين من الجن يوسوس له ويزين له القبيح، وبقرين من الملائكة يزين له الخير ويدعوه إليه، ولهذا يُروى في الحديث: "إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} الْآيَةَ". أخرجه الترمذي (2988) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ورُوي موقوفا عليه.
وأما هل الإنسان مخير أم مسير؟ فهذا اللفظ لم يرد في الكتاب ولا في السنة، بل الذي دلاَّ عليه أن الإنسان له مشيئة ويتصرف بها، وله قدرة على أفعاله، ولكن مشيئته محكومة بمشيئة الله كما قال تعالى: {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ . وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:28، 29]. فليست مشيئته مستقلة عن مشيئة الله، ولفظ: مخير ومسير. لا يصح إطلاقهما، فلا يقال: الإنسان مسير. ولا يقال: إنه مخير. بل لابد من التفصيل، فإن أريد أنه مسير بمعنى أنه مجبور ولا مشيئة له، ولا اختيار، فهذا باطل، وإن أريد أنه مسير بمعنى أنه ميسر لما خلق له، وأنه يفعل ما يفعل بمشيئة الله وتقديره، فهذا حق، وكذلك إذا قيل إنه مخير وأريد أنه يتصرف بمحض مشيئته دون مشيئة الله، فهذا باطل، وإن أريد أنه مخير بمعنى أن له مشيئة واختيارًا وليس بمجبر، فهذا حق، وأوسع كتاب تضمن الكلام عن القدر ومراتبه وعن أفعال العباد كتاب (القضاء والقدر والحكمة والتعليل) للإمام ابن القيم- رحمه الله. والله أعلم.
تاريخ الفتوى 3-5-1427 هـ
- التصنيف:
- المصدر: