التاريخ الهجري شعارنا أهل الإسلام

منذ 2012-05-04
السؤال:

انتشر بين المسلمين اليوم استخدام التأريخ الميلادي والاستغناء به عن التأريخ الهجري الإسلامي، ولم يقتصر ذلك على عوام المسلمين والشركات والمؤسسات التجارية، بل عمّت البلوى فشملت كثيراً من الجمعيات الإسلامية ووسائل الإعلام الإسلامية خصوصاً خارج هذه البلاد، حتى أصبحت أكثر الجمعيات الإسلامية -فضلاً عن غيرها- تتعامل بالتأريخ الميلادي دون الإشارة إلى التأريخ الهجري، بل أصبحنا نجد كثيراً من أبناء المسلمين لا يعرفون تسلسل الأشهر الهجرية، لذا نرجو من فضيلتكم الإجابة على الأسئلة التالية:
- أولاً: هل يجوز استعمال التأريخ الميلادي دون الإشارة إلى التأريخ الهجري؟
- ثانياً: هل يجوز البدء بالتأريخ الميلادي ثم يكتب ما يقابله بالتأريخ الهجري؟
- ثالثاً: هل استخدام التأريخ الميلادي يدخل في التشبه بالكافرين؟
- رابعاً: هل يسوغ استخدام التأريخ الهجري الشمسي، وكذلك الأشهر الهجرية الشمسية؟
- خامساً: هل يسوغ صرف المرتبات بالأشهر الميلادية الشمسية بحجة توفير أحد عشر يوماً في السنة ؟ وما توجيهكم للشركات والمؤسسات الخيرية والتجارية التي تفعل ذلك؟
كما نرجو من فضيلتكم حث المسلمين في جميع أنحاء العالم على استخدام التأريخ الهجري الإسلامي، وبيان أهميته ومكانته في الدين نظراً لهجر أكثر المسلمين له والله المستعان وعليه التكلان.

الإجابة:

إن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة هو أعظم حدث في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قامت عليه دولة الإسلام في المدينة، ولهذا اتفق الصحابة رضوان الله عليهم في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أرادوا تحديد بداية تأريخ الحوادث والرسائل والعقود، اتفقوا على اعتبار السنة الأولى لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم بداية التأريخ لهذه الأمة، على أن يكون الشهر الأول من السنة شهر محرم اعتماداً على أن السنة الشرعية هي السنة القمرية، لقوله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً} [آية 36 سورة التوبة]، وقوله تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج..} [آية 189 سورة البقرة].

ولم يزل المسلمون على مرّ العصور يعتمدون هذا التأريخ في جميع معاملاتهم ولا يعرفون غيره، حتى استولى النصارى على كثير من بلاد المسلمين في أواخر القرن الثاني عشر الهجري الموافق لأواخر القرن الثامن عشر الميلادي النصراني، ففرضوا تأريخهم على البلاد التي احتلوها وصارت تحت سيطرتهم، كمصر وبلاد الشام والمغرب العربي وبلاد الهند، بل وبعض دول الجزيرة العربية، فصار المسلمون في هذه البلدان لا يعرف أكثرهم إلا التأريخ الميلادي وشهور السنة الإفرنجية الشمسية، فجميع معاملاتهم الدنيوية مرتبطة بالتأريخ الميلادي والسنة الشمسية، وأما السنة القمرية الشرعية فلا يرد ذكرها عندهم إلا لمعرفة شهر رمضان وشهر الحج والأحكام الشرعية المنوطة بالأشهر القمرية، فنشأ على ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير.

وعزل المسلمين عن تأريخهم هو أحد ما عمل عليه العدو المحتل الكافر في تغيير هوية المسلمين وإضعاف صلتهم بدينهم وبسلفهم الصالح، وبقي الأمر على هذه الحال حتى بعد خروج المحتل وزوال نفوذه المباشر، وقد سلمت بعض البلاد الإسلامية من بلاء الاحتلال والوقوع تحت ولاية الدول النصرانية كالمملكة العربية السعودية واليمن، فلهذا بقيت السيادة للتأريخ الهجري في هذه البلاد، ولكن بسبب العلاقات الدولية وضعف الثبات على التميز والتفرد والاعتزاز بخصائص الشخصية الإسلامية، بسبب ذلك كله وبسبب جهود المستغربين فكرياً تسرب إلى هذه البلاد كثير من مظاهر التبعية ومن ذلك التأريخ الميلادي.

ويلاحظ هنا التدرج في إشاعة وإبراز التأريخ الميلادي، فقد كان التأريخ الميلادي لا يذكر إلا أحياناً لبيان الموافقة بينه وبين التأريخ الهجري لحاجة بعض الناس إلى ذلك في معاملاتهم مع البلاد الأخرى، أو القادمين من تلك البلاد، ولذا أثبت في تقويم أم القرى، وكانت الشركات الأجنبية تضطر إلى ذكر التأريخ الهجري مراعاة لعرف البلد (المملكة العربية السعودية)، لذا تذكر التأريخين الهجري والميلادي، ثم آل الأمر إلى أن تتجاهل هذه الشركات التأريخ الهجري ولا تراعي العرف السائد عند أكثر الناس، وتبعها كثير من الشركات المحلية.

ومن ذلك أن ميزانية الدولة كانت تعتبر بالسنة القمرية والتأريخ الهجري ابتداءً من غرة رجب من كل عام هجري، ثم تغيرت الحال فصارت الميزانية تعتبر بالسنة الشمسية والتأريخ الميلادي ابتداءً من واحد يناير من كل عام ميلادي، ومن أجل عدم مفاجأة الناس بهذا التحول قيل إن ابتداء سنة الميزانية من عشرة من برج الجدي الموافق واحد يناير من كل سنة ميلادية.

ثم بعد نقول:

•• أولاً: لا يجوز اعتماد التأريخ الميلادي النصراني في تقويم الدولة على أنه التأريخ الرسمي، بل يجب أن يقرن به التأريخ الهجري مع تقديم الهجري عليه كما هو الحال عليه في تقويم أم القرى في المملكة العربية السعودية، فيجب على جميع الدول الإسلامية أن تعتمد التأريخ الهجري هو التأريخ الرسمي، ولا بأس أن يقرن به التأريخ الميلادي للحاجة إلى ذلك، وأن يعتمد ذلك في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص وعامة الناس من خلال تقويم رسمي يراعى فيه ذلك.

•• ثانياً: لا يجوز تقديم التأريخ الميلادي على التأريخ الهجري في التقويم العام والتأريخ الرسمي كما تقدم، وأما المكاتبات الخاصة كالرسائل والعقود فهي بحسب الأطراف التي تجري بينهم المكاتبات، ولا ينبغي أن يلجأ إلى التأريخ الميلادي إلا مع الحاجة إليه مقروناً بالتأريخ الهجري.

•• ثالثاً: قد تبين أن اعتماد التأريخ الميلادي في جميع شئون الأمة من أعظم أنواع التشبه بالكفار، والتأريخ به من غير حاجة نوع من ذلك.

•• رابعاً: وأما استخدام التأريخ الهجري الشمسي فهو ملفق من التأريخ الهجري والتأريخ الميلادي النصراني أو التأريخ المجوسي الفارسي، ولا شك أن هذا مخالف للمنهج الذي سارت عليه الأمة الإسلامية باعتماد السنة القمرية.

•• خامساً: لا يجوز صرف المرتبات بالأشهر الشمسية إلا إذا كانت العقود مكتوبة على أساس الأشهر الشمسية، ولا ينبغي ذلك إلا مع من لا يعرف إلا الأشهر الميلادية الشمسية، أما إذا كانت مكتوبة على أساس الأشهر القمرية، فإن صرف المرتبات بالأشهر الشمسية ظلم للموظفين والعاملين للفارق بين السنة الشمسية والقمرية وهو أحد عشر يوماً.

وبعد فإننا ننصح الشركات والمؤسسات ألا تعتمد التأريخ الميلادي وأن لا تهمل التأريخ الهجري محافظة على أصالتها وصلتها بتأريخ الأمة الإسلامية، وبعدا عن التشبه بالكفار. والله الموفق والهادي إلى صراطه المستقيم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

عبد الرحمن بن ناصر البراك

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود

  • 29
  • 2
  • 44,882

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً