كذب وزعم أنه حج عن نفسه ثم حج ثلاث مرات عن غيره
منذ 2012-10-12
السؤال:
سألني أحد من الأشخاص أنك حجيت فقلت نعم وأنا لم أحج فحجيت عن أشخاص آخرين 3 أعوام متتالية وأنا أعلم بالحكم وأنه لا يجوز إلا إذا حجيت أنا فما الحكم وما الذي يترتب علي؟
الإجابة: الحمد لله
أولا: لا يخفى أن ما قمت به كذب وخداع يترتب عليه تأخير الحج عمن أراده منك، والواجب أن تتوب إلى الله تعالى وتندم على ما قدمت.
ثانيا: لا يجوز للإنسان أن يحج عن غيره حتى يحج عن نفسه أولا، فإن فعل قبل أن يحج عن نفسه انصرفت الحجة له، ولزمه رد المال إلى أصحابه.
قال ابن قدامة رحمه الله: "(ومن حج عن غيره، ولم يكن حج عن نفسه، ردّ ما أخذ، وكانت الحجة عن نفسه) وجملة ذلك: أنه ليس لمن لم يحج حجة الإسلام أن يحج عن غيره، فإن فعل وقع إحرامه عن حجة الإسلام. وبهذا قال الأوزاعي، والشافعي، وإسحاق...
لما روى ابن عباس، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شبرمة ؟ قال: قريب لي. قال: هل حججت قط؟ قال: لا. قال: فاجعل هذه عن نفسك، ثم احجج عن شبرمة" (رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وهذا لفظه)...
إذا ثبت هذا، فإن عليه رد ما أخذ من النفقة; لأنه لم يقع الحج عنه، فأشبه ما لو لم يحج" انتهى من "المغني" (3/102).
وعليه؛ فإن الحجة الأولى تنصرف لك، ويلزمك رد المال إلى أهله، أو أن تحج هذا العام عنه، فإن لم تستطع فادفع المال لمن يحج عنه.
وأما الحجة الثانية والثالثة، فالنيابة فيها صحيحة؛ لأنها وقعت بعد الحجة الأولى التي انصرفت لك.
ثالثا: لا يجوز لأحدٍ أن يكون قصده من الحج عن غيره أخذ المال، وإنما يكون قصده الحج والوصول إلى الأماكن المقدسة، والإحسان إلى أخيه بالحج عنه.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "النيابة في الحج جاءت بها السنَّة؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سألته امرأة وقالت: (إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم)، والاستنابة بالحج بعوض: إن كان الإنسان قصده العوض: فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: من حج ليأخذ المال فليس له في الآخرة من خلاق – أي: نصيبٌ - وأما من أخذ ليحج: فلا بأس به، فينبغي لمن أخذ النيابة أن ينوي الاستعانة بهذا الذي أخذ على الحج، وأن ينوي أيضاً قضاء حاجة صاحبه؛ لأن الذي استنابه محتاج، ويفرح إذا وجد أحداً يقوم مقامه، فينوي بذلك أنه أحسن إليه في قضاء الحج، وتكون نيته طيبة" انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (89/السؤال 6).
وقال رحمه الله: "وإن من المؤسف أن كثيراً من الناس الذين يحجون عن غيرهم إنما يحجون من أجل كسب المال فقط، وهذا حرام عليهم؛ فإن العبادات لا يجوز للعبد أن يقصد بها الدنيا، يقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ويقول تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}، فلا يقبل الله تعالى من عبد عبادة لا يبتغي بها وجهه، ولقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أماكن العبادة من التكسب للدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك"، فإذا كان هذا فيمن جعل موضع العبادة مكاناً للتكسب يدعى عليه أن لا يربح الله تجارته: فكيف بمن جعل العبادة نفسها غرضاً للتكسب الدنيوي كأن الحج سلعة، أو عمل حرفة لبناء بيت، أو إقامة جدار ؟ تجد الذي تعرض عليه النيابة يكاسر ويماكس هذه دراهم قليلة، هذه لا تكفي، زد، أنا أعطاني فلان كذا، أو أعطي فلان حجة بكذا، أو نحو هذا الكلام مما يقلب العبادة إلى حرفة وصناعة، ولهذا صرح فقهاء الحنابلة رحمهم الله بأن تأجير الرجل ليحج عن غيره غير صحيح، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ المال، فليس له في الآخرة من خلاق، لكن إذا أخذ النيابة لغرض ديني مثل أن يقصد نفع أخيه بالحج عنه، أو يقصد زيادة الطاعة والدعاء والذكر في المشاعر: فهذا لا بأس به، وهي نية سليمة.
إن على الذين يأخذون النيابة في الحج أن يخلصوا النية لله تعالى، وأن تكون نيتهم قضاء وطرهم بالتعبد حول بيت الله وذكره ودعائه، مع قضاء حاجة إخوانهم بالحج عنهم، وأن يبتعدوا عن النية الدنيئة بقصد التكسب بالمال، فإن لم يكن في نفوسهم إلا التكسب بالمال: فإنه لا يحل لهم أخذ النيابة حينئذ، ومتى أخذ النيابة بنية صالحة: فالمال الذي يأخذه كله له، إلا أن يشترط عليه رد ما بقي" انتهى من "الضياء اللامع من الخطب الجوامع" (2/477).
والله أعلم.
أولا: لا يخفى أن ما قمت به كذب وخداع يترتب عليه تأخير الحج عمن أراده منك، والواجب أن تتوب إلى الله تعالى وتندم على ما قدمت.
ثانيا: لا يجوز للإنسان أن يحج عن غيره حتى يحج عن نفسه أولا، فإن فعل قبل أن يحج عن نفسه انصرفت الحجة له، ولزمه رد المال إلى أصحابه.
قال ابن قدامة رحمه الله: "(ومن حج عن غيره، ولم يكن حج عن نفسه، ردّ ما أخذ، وكانت الحجة عن نفسه) وجملة ذلك: أنه ليس لمن لم يحج حجة الإسلام أن يحج عن غيره، فإن فعل وقع إحرامه عن حجة الإسلام. وبهذا قال الأوزاعي، والشافعي، وإسحاق...
لما روى ابن عباس، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شبرمة ؟ قال: قريب لي. قال: هل حججت قط؟ قال: لا. قال: فاجعل هذه عن نفسك، ثم احجج عن شبرمة" (رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وهذا لفظه)...
إذا ثبت هذا، فإن عليه رد ما أخذ من النفقة; لأنه لم يقع الحج عنه، فأشبه ما لو لم يحج" انتهى من "المغني" (3/102).
وعليه؛ فإن الحجة الأولى تنصرف لك، ويلزمك رد المال إلى أهله، أو أن تحج هذا العام عنه، فإن لم تستطع فادفع المال لمن يحج عنه.
وأما الحجة الثانية والثالثة، فالنيابة فيها صحيحة؛ لأنها وقعت بعد الحجة الأولى التي انصرفت لك.
ثالثا: لا يجوز لأحدٍ أن يكون قصده من الحج عن غيره أخذ المال، وإنما يكون قصده الحج والوصول إلى الأماكن المقدسة، والإحسان إلى أخيه بالحج عنه.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "النيابة في الحج جاءت بها السنَّة؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سألته امرأة وقالت: (إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم)، والاستنابة بالحج بعوض: إن كان الإنسان قصده العوض: فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: من حج ليأخذ المال فليس له في الآخرة من خلاق – أي: نصيبٌ - وأما من أخذ ليحج: فلا بأس به، فينبغي لمن أخذ النيابة أن ينوي الاستعانة بهذا الذي أخذ على الحج، وأن ينوي أيضاً قضاء حاجة صاحبه؛ لأن الذي استنابه محتاج، ويفرح إذا وجد أحداً يقوم مقامه، فينوي بذلك أنه أحسن إليه في قضاء الحج، وتكون نيته طيبة" انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (89/السؤال 6).
وقال رحمه الله: "وإن من المؤسف أن كثيراً من الناس الذين يحجون عن غيرهم إنما يحجون من أجل كسب المال فقط، وهذا حرام عليهم؛ فإن العبادات لا يجوز للعبد أن يقصد بها الدنيا، يقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ويقول تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}، فلا يقبل الله تعالى من عبد عبادة لا يبتغي بها وجهه، ولقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أماكن العبادة من التكسب للدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك"، فإذا كان هذا فيمن جعل موضع العبادة مكاناً للتكسب يدعى عليه أن لا يربح الله تجارته: فكيف بمن جعل العبادة نفسها غرضاً للتكسب الدنيوي كأن الحج سلعة، أو عمل حرفة لبناء بيت، أو إقامة جدار ؟ تجد الذي تعرض عليه النيابة يكاسر ويماكس هذه دراهم قليلة، هذه لا تكفي، زد، أنا أعطاني فلان كذا، أو أعطي فلان حجة بكذا، أو نحو هذا الكلام مما يقلب العبادة إلى حرفة وصناعة، ولهذا صرح فقهاء الحنابلة رحمهم الله بأن تأجير الرجل ليحج عن غيره غير صحيح، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ المال، فليس له في الآخرة من خلاق، لكن إذا أخذ النيابة لغرض ديني مثل أن يقصد نفع أخيه بالحج عنه، أو يقصد زيادة الطاعة والدعاء والذكر في المشاعر: فهذا لا بأس به، وهي نية سليمة.
إن على الذين يأخذون النيابة في الحج أن يخلصوا النية لله تعالى، وأن تكون نيتهم قضاء وطرهم بالتعبد حول بيت الله وذكره ودعائه، مع قضاء حاجة إخوانهم بالحج عنهم، وأن يبتعدوا عن النية الدنيئة بقصد التكسب بالمال، فإن لم يكن في نفوسهم إلا التكسب بالمال: فإنه لا يحل لهم أخذ النيابة حينئذ، ومتى أخذ النيابة بنية صالحة: فالمال الذي يأخذه كله له، إلا أن يشترط عليه رد ما بقي" انتهى من "الضياء اللامع من الخطب الجوامع" (2/477).
والله أعلم.
- التصنيف: