حكم الغناء

منذ 2013-02-16
السؤال:

هل الأغاني بكلِّ أنواعِها حلالٌ أم حرام؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالأغاني منها ما هو مُحرَّم ومنها ما هو مُباح، ولِكُلِّ واحدةٍ منها ضوابطُ مَعلومة:

ضوابطُ المنْع:
أوَّلاً: إذا كان الغناءُ مُشتمِلاً على آلةِ عزفٍ موسيقيَّة -ويُستثنَى من ذلك الدُّف للنساء في العرس ونحوه- فهذا الغناءُ مُحرَّم بالإجْماع، وقد حكى الإجْماعَ جَماعةٌ من العُلماء، منهم الإمام القُرطبيُّ، وابْنُ الصَّلاح، وابْنُ رجبٍ الحنبَلِي، وابْنُ القيِّم، وابنُ حَجَر الهيتَمي.

قال الإمامُ القرطبي: "أمَّا المزامير والأوتارُ والكوبة (الطبل) فلا يُختَلَف في تَحريم استماعِها، ولَم أسمع عن أحدٍ مِمَّن يُعتَبَر قولُه من السَّلف وأئمَّة الخلَف من يُبِيحُ ذلِك، وكيف لا يُحرم وهو شِعارُ أهْلِ الخُمور والفِسق ومهيِّج الشَّهوات والفساد والمُجون! وما كان كذلِك لم يُشَكَّ في تَحريمه، ولا تفسيقِ فاعلِه وتأثيمِه" انتهى.

وقال ابنُ الصلاح في الفتاوى: "وأمَّا إباحةُ هذا السَّماع وتَحليله، فلْيعلَمْ أنَّ الدُّفَّ والشبابة والغِناء إذا اجتمعتْ، فاستِماعُ ذلِك حرامٌ عندَ أئمَّة المَذاهب وغيرِهم من عُلماء المُسلمين، ولَم يَثبتْ عن أحدٍ مِمَّن يُعْتَدُّ بقوْلِه في الإجْماع والاختلاف أنَّه أباح هذا السَّماع، إلى أن قال: فإذًا هذا السماع غيرُ مُباحٍ بإجْماعِ أهْلِ الحلِّ والعقد من المسلمين" اهـ.

وقال شيخُ الإسلام ابْنُ تيميَّة رحِمه الله ردًّا على ابْنِ مطهرٍ الشِّيعيّ في نِسبَتِه إلى أهْلِ السُّنَّة إباحة الملاهي: "هذا من الكذِب على الأئمَّة الأربعة، فإنَّهم متَّفِقون على تَحريم المعازِف الَّتِي هي آلاتُ اللَّهو، كالعُود ونحوه، ولو أتْلفَها مُتْلِفٌ عِنْدَهم لم يضْمَن صورةَ التَّالف، بل يَحرم عندَهم اتِّخاذُها" اهـ.

وقد جاءتِ النُّصوصُ صريحةً بِحرمة الغِناء المشتمِل على آلات اللَّهو والطَّرب؛ قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [لقمان: 6]، قال الواحدي: أكثر المفسِّرين على أنَّ المُرادَ (بلَهْوِ الحديث): الغناء.

وعنْ أبي مالكٍ الأشْعري رضِي الله عنْهُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "ليكونَنَّ من أُمَّتِي أقوامٌ يَستَحِلُّون الخَمر، والحِرَ، والحريرَ، والمعازف" (أخْرجه البُخاريُّ تعليقًا بصيغة الجزم، ووصله أبو داود وغيره).

ولمزيدٍ من التَّفصيل في حُكم الغناء تُراجَع الفتوى: "حكم الاستماع إلى الأغاني؟"على موقِعِنا. 

ثانيًا: إذا كان الغِناءُ بِدُونِ آلةِ عَزفٍ، فهذا نوعان:
الأوَّل: أن يَكون الغناءُ منِ امرأةٍ لِرِجال؛ فهذا مُحرَّم، وقَدْ سَبَقَ تفصيلُ ذلِك في فتوى: "حكم صوت المرأة فيما يسمَّى بالنشيد الإسلامي". 
الثَّاني: أن يَكونَ الغِناءُ منِ امرأةٍ إلى امرأةٍ أو من رجلٍ، فُينظر في نوع الكلام:
- فإنْ كان بِكلامٍ حَسَنٍ يدعُو إلى الفضيلةِ أو يشمَل على حِكَمٍ ومواعظَ ونَصائِح، ونَحو ذلك مِمَّا لا غَرامَ فيه بل فيه التَّنشيطُ على الأعمالِ الشَّاقَّة، كما كان في حفْرِ الخَنْدق وحُداءِ أنجشة وسلمة بن الأكوع، فهذا قد أباحَهُ جَماعةٌ من العُلماء، وكرِهَه آخَرون، والصَّحيحُ أنَّه جائز؛ قال القاضي أبو بَكْرِ بنُ العربي: "وأمَّا سَماعُ القَيْنات فيجوزُ للرَّجُل أن يسمعَ غِناء جاريَتِه، إذ ليس شيءٌ منها عليْهِ حرام لا من ظاهِرِها ولا من باطنِها، فكيفَ يُمنَعُ من التلذّذ بصوتِها".

وفي "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: دخل أبو بكرٍ وعندي جاريتانِ من جواري الأنصار تُغَنِّيان بِما تقاوَلَت الأنصارُ يوم بُعاث –قالت: وليسَتَا بِمُغنِّيتيْنِ- فقال أبو بكر: أمزاميرُ الشَّيطانِ في بيْتِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ وذلك في يوم عيدٍ، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "يا أبا بَكرٍ، إنَّ لكلِّ قومٍ عيدًا، وهذا عيدُنا".

قال القُرطبيُّ في "المفهم": "وقولُها: وليستا بِمغنيتين، أي: ليستَا مِمَّن يَعْرف الغناءَ كما تَعْرِفه المغنِّيات المعروفات بذلك، وهذا منها تَحرُّز من الغِناء المُعتاد عند المشتَهرين به، الذي يُحرِّك النفوس، ويبعثُها على الهوى والغزَل والمُجون، الذي يحرِّك الساكنَ ويبعَثُ الكامن، وهذا النَّوع إذا كان في شعرٍ يشبَّبُ فيه بِذِكْر النِّساء، ووَصْفِ مَحاسنهنَّ، وذِكْرِ الخُمور والمحرَّمات لا يُختَلَفُ في تَحريمه؛ لأنَّه اللَّهو واللَّعب المذموم بالاتِّفاق، فأمَّا ما يسلم من تلك المحرَّمات، فيجوز القليلُ منه في أوقات الفرح؛ كالعُرس والعيد، وعند التنشيط... فأمَّا ما ابتدعتْه الصوفيَّة اليوم من الإدمان على سَماع المغاني بالآلات المطربة؛ فمِنْ قبيل ما لا يُختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية والأغراض الشيطانيَّة قد غلبتْ على كثيرٍ مِمَّن نُسِب إلى الخير وشُهر بذِكْره، حتى عَمُوا عن تَحريم ذلك وعن فُحشه؛ حتَّى قد ظهرت من كثير منهم عَوارات المُجَّان والمجانين، والصبيان، فيرْقُصون ويزْقنون بِحركات متطابقة، وتقطيعاتٍ مُتلاحقة؛ كما يفعل أهل السَّفَه والمُجون".

- وإنْ كان بكلامٍ قبيحٍ يدعو إلى الرَّذيلة، ويُرَغِّب في المنكر، ويصِفُ النِّساءَ أوِ الخَمر ونَحو ذلك فهذَا مُحرَّم،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 15
  • 0
  • 27,710

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً