الضابط لجمع الصلاة في المطر
رأينا البعض ربما يجمع في المطر ولو كان يسيرًا، والبعض لا يجمع إلا في المطر الشديد، والبعض يقول لا أصل للجمع في المطر وإنما الصلاة في الرمال، فهل للجمع في المطر ضابط وهل يجوز الجمع باشتداد الغبار ونحو ذلك من الأعذار؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فالأصل أن الصلاة تؤدى في وقتها لقول الله جل وعلا: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103]. أي مفروضًا في الأوقات، لكن وردت الأدلة أيضًا في إباحة الصلاة في غير وقتها لأهل الأعذار، لمن كان محتاجًا لذلك، كالمسافر، وكمن نزل عليه المطر، وكالمريض إذا احتاج إلى الجمع، ونحو ذلك من الأعذار، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة سبعًا يعني بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر" (أخرجه البخاري (1174) ومسلم ( 152)).
وقد ادَّعى بعض أهل العلم عدم العمل بهذا الحديث، ولكن الصواب أن العمل به جارٍ، وقد عمل به ابن عباس رضي الله عنه حينما حدَّث بهذا الحديث بالبصرة، ولكن الجواب عنه أن الأعذار ليست منحصرة في المطر، ولا في المرض، ولا في السفر، وإنما قد توجد أعذار أخرى، والمقصود هو رفع الحرج عن الأمة، فمتى ما وجد الحرج أبيح الجمع بين الصلاتين إما الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وبلا شك أن من الأعذار وجود المطر، أو البرد الشديد، أو الغبار الشديد الذي يتأذى به الناس فيحرجون بأداء كل صلاة في وقتها.
فبالنسبة للمطر إذا نزل المطر والناس في المسجد مثلاً في صلاة المغرب فيشرع لهم في هذه الحال الجمع بين المغرب والعشاء، لكن بشرط أن يكون ذلك المطر مبيحًا للجمع، بمعنى أن يكون كثيرًا بحيث يتأذى الناس بالرجوع إلى المسجد لصلاة العشاء، أما إذا كان المطر خفيفًا فلا ينبغي الجمع ولا ينبغي التهاون في هذه المسألة.
وأما إذا نزل المطر والناس في بيوتهم مثلاً بعد المغرب، فهذا ورد فيه حديث ابن عمر المعروف "ألا صلوا في رحالكم". (أخرجه البخاري(1/166) ومسلم(2/147)).
فيشرع في هذه الحالة أن يقال للناس: صلوا في بيوتكم، وليس هناك من داع بأن تحرِّجوا على أنفسكم، وتأتوا إلى المساجد فتتأذوا بهذا المطر النازل، فهذا هو التفصيل في هذه القضية، أي بالتفريق بين إذا ما كان الناس في المسجد في حالة نزول المطر فيشرع لهم الجمع، وبينما إذا كانوا في بيوتهم، فالأولى أن يصلوا في بيوتهم إذا كانوا يتأذون، أما إذا استطاع الإنسان أن يأتي إلى المسجد بواسطة السيارة، أو لم يكن عليه مشقة في المجيء إلى المسجد وبخاصة في ظل هذه النعم، من الطرق المعبدة والأرصفة والشوارع المضيئة، فالأَوْلى في هذه الحال أن يصلي في المسجد جماعة؛ لأن التأذي في المطر في هذه الأزمان ليس كالتأذي به في الأزمان الماضية، فالأزمان الماضية كانت الأرض زلقة بسبب أنها طينية، والمطر النازل قد يوقع الإنسان في الأرض ويتأذى باتساخ ملابسه، وربما وصلت الأذية إلى أشد من هذا ككسر في بدنه، أو غير ذلك.
أما الآن فمجرد ابتلال الملابس، فمن يريد أن يحتسب الأجر فهذا أجره عند الله سبحانه وتعالى، ومن أراد أن يأخذ بالرخصة فلا بأس في ذلك على ما فصلنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
تاريخ الفتوى: 8- 11- 1427هـ- 29- 11- 2006.
- التصنيف:
- المصدر: