حكم الحج عمن مات ولم يحج
من مات ولم يحج لمرض أو فقر ونحوه هل يحج عنه؟
من مات قبل أن يحج فلا يخلو من حالين:
إحداهما: أن يكون في حياته يستطيع الحج ببدنه وماله فهذا يجب على ورثته أن يخرجوا من ماله لمن يحج عنه؛ لكونه لم يؤد الفريضة التي مات وهو يستطيع أداءها وإن لم يوص بذلك، فإن أوصى بذلك فالأمر آكد، والحجة في ذلك قول الله سبحانه: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الآية، والحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له رجل: إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع الحج ولا الظعن، أفأحج عنه؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: « »[1].
وإذا كان الشيخ الكبير الذي يشق عليه السفر وأعمال الحج يحج عنه فكيف بحال القوي القادر إذا مات ولم يحج؟! فهو أولى وأولى بأن يحج عنه؛ وللحديث الآخر الصحيح أيضاً، أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «
»[2].أما الحال الثانية: وهي ما إذا كان الميت فقيراً لم يستطع الحج، أو كان شيخاً كبيراً لا يستطيع الحج وهو حي، فالمشروع لأولياء مثل هذا الشخص كابنه وبنته أن يحجوا عنه؛ للأحاديث المتقدمة؛ ولحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «
» قال: أخ لي أو قريب لي، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: « » قال: لا، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: « »[3].وروي هذا الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - موقوفاً عليه. وعلى كلتا الروايتين فالحديث يدل على شرعية الحج عن الغير سواء كان الحج فريضة أو نافلة.
وأما قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، فليس معناه أن الإنسان ما ينفعه عمل غيره، ولا يجزئ عنه سعي غيره، وإنما معناه عند علماء التفسير المحققين أنه ليس له سعي غيره، وإنما الذي له سعيه وعمله فقط، وأما عمل غيره فإن نواه عنه وعمله بالنيابة، فإن ذلك ينفعه ويثاب عليه، كما يثاب بدعاء أخيه وصدقته عنه.
فهكذا حجه عنه وصومه عنه إذا كان عليه صوم؛ للحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم أنه قال: «البخاري ومسلم من حديث عائشة، وهذا يختص بالعبادات التي ورد الشرع بالنيابة فيها عن الغير، كالدعاء والصدقة والحج والصوم.
»[4]، أخرجهأما غيرها فهو محل نظر واختلاف بين أهل العلم، كالصلاة والقراءة ونحوهما، والأولى الترك، اقتصاراً على الوارد واحتياطاً للعبادة، والله الموفق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خطاب صدر من سماحته عندما كان نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة إجابة عن أسئلة مقدمة وهذا أحدها - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء السادس عشر.
[1] رواه الإمام أحمد في (مسند المدنيين) حديث أبي رزين العقيلي برقم 15751، والنسائي في (المناسك) باب وجوب العمرة برقم 2621.
[2] رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) حديث بريدة الأسلمي برقم 22523، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصيام عن الميت برقم 1149.
[3] رواه أبو داود في (المناسك) باب الرجل يحج عن غيره برقم 1811.
[4] رواه البخاري في (الصوم) باب من مات وعليه صوم برقم 1952، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصيام عن الميت برقم 1147.
- التصنيف:
- المصدر: