شكوى مصابة بالسحر

منذ 2014-02-14
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه، وبعد،
أنا لديَّ مشكلةٌ أُعاني منها منذُ سنوات خلتْ، ولم أعلم عن سببها إلاَّ الآن، ألا وهِيَ رَفْضُ كُلِّ شابٍّ يتقدَّم لي، وأُعاني من تَعَبٍ شديد وأتَمسَّكُ بأعذارٍ لا يوافِقُنِي عليها أهلي، أُشَدِّدُ في الشروط وتأْتِي شُرُوطي كما أَرَدْتُ وأرفضُ، إلى أن أجْبَرَنِي أهلي وتَم عقدُ النِّكاح، فزاد تعبِي ورفضي، كنت أقول لأهلي: ربَّما أحتاج لرقية شرعية، ويرفضُ أهلي ذلك بِحُجَّة أني خائفة من خوض تجربة الزواج، الآن أتَمنَّى أن لا يُذكر اسمه لي، وكم أتَمنَّى لو أستطيع ضربَه.

اقتنع أهلي بالقراءة لَمَّا قررتُ فسخ العقد، قرأتُ وفُوجِئْتُ بِالصَّاعقة: أنا مَسحورة سِحرَ صرف، ويُرَجِّحُ الشيخُ أن يكون من قريب، تعِبْتُ جدًّا من القراءة والآن أُفَكِّر أُوقفها؛ لأنِّي لا أتْعَبُ إلاَّ إذا حَدَثَتْ خطوبة، سأصبِرُ على البلاء والله -عزَّ وجلَّ- ينتقم لي مِمَّن سحرنِي، ولن أتزوج، تقدَّم لي مَن لا يُرَدُّ ورفضتُه بسبب تأثير السحر، وكم مرة طلبت من أهلي أن يُقرأ عليَّ ورفضوا، الآنَ أنا بَيْنَ مُصيبتَيْنِ: مصيبة صدمة فسخ العقد ونظرة المجتمع، سأكون مطلقة بمجرد هذا العقد، والأُخرى -بل العُظمى- السحر الذي عقد لي.

ما نصيحتكم؟ أكتب رسالتِي وأنا أبكي، علمًا أنِّي مُلتزمةٌ وطالبةُ عِلْمٍ شرْعي حافظة ونشأتي صالحة، لكنَّ الصدمة كبيرة جدًّا، ما توجيهُكم جزاكم اللَّهُ خيْرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن كان ما تَشْعُرين به مِنْ أَعْراضٍ سِحْرًا، فلا حرج علَيْكِ في السعْيِ لِفَكِّ هذا السحر عنكِ بالطرق الشرعية؛ فتقْرَئِي الرُّقية على نفسكِ بِهمَّة عالية وقوة قلب ويقين بالقرآن أن فيه شفاءً وهي:

1- قراءة الفاتحة.

2- قراءة البقرة كاملة كل يوم إن استطعت، فإن لها تأثيرًا عجيبًا.

2- قراءة آية الكُرسي من سورة البقرة، وهِيَ قولُه تعالى: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ} [البقرة: 255].

3- قراءة آيات الأعراف، وهي قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف: 117 - 122].

4- قراءة آيات في سورة يونس، وهي قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ * فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ} [يونس: 80 - 82].

5- قراءة آيات من سورة طه، وهي قولُه عز وجل: {قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 68، 69].

6- قراءة سورة الكافرون.

7- قراءة سورة الإخلاص والمُعَوّذَتَيْنِ مع تكرارهن.

8- قراءة بعض الأدعية الشرعيَّة مثل: "اللهم ربَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ البَأْسَ اشف أنتَ الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤُكَ، شفاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا".

وَنَنْصَحُكِ بِمُراجعة كتاب "حصن المسلم والرقية الشرعية" للقحطاني،كما يُمكنك الاستعانةُ بأحد المعالجين من أهل السنة، المعروفين بالدين والورع، واحذَرِي منَ الوُقوع في شراك الدجَّالين أوِ المُشعوِذين، ولْتَعْلَمي أنَّ ترجيح المُعالِج أنَّ أحدَ أقارِبِك هو الذي سَحَرَكِ باطلٌ؛ لأن معرفة ذلك تفتقرُ إلى دليلٍ أوِ اعتراف، أمَّا إن كانتْ حدْسًا أو إخبار الجِنِّ فهي من العرافة التي نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عنها.

واعْلَمِي -رحِمك الله- أنَّ اللَّه تعالَى لم يَضَعْ داءً إلا وَضَعَ له دواء، ولكن عِلاج هذه الحالات وأمثالِها بأمريْنِ؛ ذكرهُما ابن القيم -رحِمه الله- قال: "أمر من جهة المصروع وأمر من جهة المعالج:

- الأول: من جهة المصروع؛ يكون بِقُوَّة نفسِه، وصدق توجُّهِه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئِها، والتعوُّذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان، فإنَّ هذا نوعُ مُحاربة، والمحارب لا يتِمُّ له الانتصاف من عدوِّه بالسلاح إلا بأمْرَيْنِ: أن يكون السلاح صحيحًا في نفسه جيدًا، وأن يكون الساعد قويًّا، فمتى تخلَّف أحدُهُما لم يغنِ السلاح كثيرَ طائل، فكيف إذا عدم الأمران جميعًا؛ يكون القلب خرابًا من التوحيد والتوكُّل والتقوى والتوجه، ولا سلاح له؟!

- والثاني: من جهة المعالج؛ بأن يكون فيه هذانِ أيْضًا".

فإذا تحقَّقتْ فيكِ المواصفات المطلوبة في المريض ولم تستفيدي عند المعالج الأول، فابحثي عن معالجٍ آخَرَ أمهر منه؛ فإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم – قال: "ما أنزل الله داءً إلا قد أنزل له شفاءً، علِمه مَن علِمه وجهِله مَن جهله"؛ رواه أحمد عن ابن مسعود.

فدلَّ على أنَّ المعالجين متفاوتون في معرفة طرق العلاج، كما نوصيك بكثرة الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى وعدم اليأس من فضله وشفائه، وبالمواظبة على قراءة القرآن والأذكار الواردة عند النوم وطرفي النهار، وهي موجودة في كتاب "حصن المسلم" أو "الكلم الطيب"، والمحافظة على صلاة النوافل وأن تُخْرِجي من البيت ما يَجلِبُ الشياطين ويَمنَعُ دُخول الملائكة من الصُّور والتماثيل وغير ذلك.

واعلمي أنَّه ما من مَرَضٍ أو بلاء يُصيب المؤمِنَ إلا كفَّر اللَّهُ به من خطاياه أو رَفَعَ به من دَرَجَتِه، فاصْبِرْي واحتسبي الأجر عند الله تعالى، وتدبَّري قولَه سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، وقولَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يُصيبُ المؤمِنَ من وَصَبٍ ولا نَصَبٍ ولا سقم ولا حزن حتَّى الهم يهمُّه إلا كفّر به من سيئاته"؛ رواه مسلم، وفي لفظ: "قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَفِى كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا"، وعند البخاري: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ ولاَ وَصَبٍ ولاَ هَمٍّ ولا حُزْنٍ وَلا أَذًى ولا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ".

فالدنيا دار ابْتِلاء وامتحان، لا تصفو من الأكدار، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]، وعلى المسلم أن يعلم أنَّ الابتلاء سُنَّة كونيَّة لا تتبدَّل ولا تتخلَّف، وأنَّ ما قُدر للمرء سيناله حتمًا من رزق أو زوج أو غير ذلك؛ فعنِ ابْنِ أبِى ليلَى قال: "أتيتُ أُبَيَّ بنَ كعب فقلتُ: وقع في قلبي شيء من القدر فحدِّثْنِي بشيء يذهب به عني، قال: "إنَّ اللَّه لو عذَّب أهلَ سماواتِه وأهلَ أرضِه عذَّبَهم وهو غيرُ ظالم، ولو رحِمهُم كانت رحمتُه خيرًا لهم من أعمالِهم، ولو أنفقتَ مِثلَ جبل أُحُدٍ ذهبًا في سبيل الله ما تقبَّله الله منك حتَّى تُؤمِنَ بالقَدَر وتعلمَ أنَّ ما أصابك لم يَكُنْ لِيخطِئَكَ وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مِتَّ على غير ذلك لدخلتَ النَّار"، فأتيتُ حذيفةَ فقال لي مِثْلَ ذلك، فأتيتُ عبدالله بنَ مسعود فقال مثل ذلك، فأتيتُ زيدَ بنَ ثابت فحدَّثني عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- مثل ذلك"؛ رواه أحْمد وأبو داود وابن ماجه.

واللهَ نسألُ أَنْ يُذْهِبَ عَنْكِ الأَذَى وَيَشْفِيَكِ شِفاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 5
  • 0
  • 22,981

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً