حكم اللجوء السياسي لدولة أجنبية
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أمَّا بعد:
أكتب هذه الرسالة راجيًا من الله أن تقدِّموا لي النُّصح فيما سوف أكتبُه عن حياتي، وبما آلت إليه ظروفي.
فقد كنتُ تحت رعاية أبي، الذي كان يعمل لدى إحدى الدَّوائر الحكوميَّة بدولة الإمارات، وأمي اضطرَّت للعمل لمساعدة أبي في المصاريف، ولأنَّه كان مَدينًا. لم أستطِع الحصول على مقعدٍ في الجامعة لكوني مقيم، ولم استطع الالتحاق بالجامعات الخاصَّة لكثرة التكاليف.
استمرَّت هذه الحالة ثلاثةَ أعوام، لا دراسة ولا عمل، وخلالَ ذاك الوقت كانت تأشيرة الإقامة الخاصَّة بي على وشَك الانتِهاء، وغير قابلةٍ للتَّجديد؛ لأنَّني أجنبي، وتعدَّيتُ سنَّ الثَّامنة عشرة بلا عمل أو دراسة، فكان المصير الخروج من البلد إلى الصومال.
بعد ذلك ذهبَ أبي إلى السِّفارة البريطانيَّة وطلب تأشيراتِ سياحة لي ولأمِّي، وحصلْنا عليْها والنيَّة في الذَّهاب هي للدِّراسة والحصول على الجنسيَّة البريطانيَّة، والعيش فيها بعد استِحالة التَّواجُد في بلد عربي؛ لصعوبة الحصول على تأشيرات إقامة، واستحالة العوْدة للصومال بسبَب الحرْب الأهليَّة.
أتيتُ إلى بريطانيا برفْقة أمِّي، وطلَبْنا اللجوء السياسي حيث اضطررْنا إلى تغْيير أسمائِنا وهويَّاتنا حتى لا يتمَّ الكشف عن المكان الذي قدمنا منه -من ثمَّ يتم ترحيلنا إلى الصومال- كنت رافضًا يا شيخ لكلِّ هذا الأمر، حيث كتب لي أنِّي قدمتُ من اليمن بعد هروبي من الصومال إبَّان الحرْب الأهليَّة، وقلت: إني شهدتُ الحرب وما فيها من قتْلٍ وتشريد وجوع.
فسؤالي يا شيخ: هل يجوز ما فعلتْه أمِّي، حيث استشارتْ بعضَ أقاربِها المقيمين في بريطانيا في مسألة تغْيير المعلومات لطلَب اللُّجوء السياسي، وهل الضَّرورة هنا تُبيح المحظورات؟
1- ما هو الحكم الشَّرعي في الذي فعلْناه أنا وأمِّي وأبي، هل يَجوز أو لا؟
2- هل الحصول على جنسيَّة بريطانيَّة حلالٌ أو حرام؟ (القصد من الحصول عليها: هو الانتفاع بها كوسيلة لتأمين عيْشٍ كريم لنا، كما تعلمون يُسمح لحاملي هذه الجنسيَّة بالعيْش في أيِّ مكان، وتُحترم في الدُّول الإسلامية أكثر من الجنسيَّات العربيَّة والمسلمة الأخرى للأسف).
الحقيقة الأُخرى: أنِّي لَم أكُن ملتزمًا بِديني كما يَجب، ولكنِّي في الآونة الأخيرة -ولله الحمد- أُحاول مجاهدة نفسي والالتِزام بديني، وأن أبدأ بتصحيح عباداتي، مع ذلك أشعُر بأنَّ الذي اقترفتُه يقِف عائقًا في طريقي حيث تُراوِدُني أفكارٌ في ترْك كلِّ شيءٍ، والذَّهاب إلى أي بلد مسلم، والبدْء من جديد من الصِّفر، ولكنّي أفكِّر في أمِّي وأخواتي.
فأرجو النصيحة، والله إنِّي خائف على ديني وأهلي. جزاكم الله خيرَ الجزاء.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ الإقامة في بلاد الكفَّار أو الهجرة إليْها لا تَجوز إلا عند الضرورة؛ كأن يَخشى المسلم على نفسِه القتل أو السجْن، ولَم يجِد بلدًا مسلمًا يلجأُ إليه، أو غير ذلك، وكذلِك تجوز الإقامة لمن يطلب علمًا واجبًا يصعُب تَحصيلُه في بلاد المسلمين، أو لِمن يعمل بالدَّعوة إلى الله تعالى، وكلُّ ذلك بشرط أن يتمكَّن المسلم من إظهار إسْلامه، ويأْمن على نفسِه من الفتن؛ لأن الأصل هو حرمة الإقامة بين الكفَّار أو بالقُرْب منهم، ولأنَّ في الإقامة عندهم من المفاسد ما لا يُحصى؛ كالتَّعرُّض للفتن، وضياع الأبْناء، والوقوع في المحرَّمات دون ضرورة تدعو إلى ذلك.
وقد أجاز العُلماء السفر إلى بلادِهم لأجل الدَّعوة إلى الله، أو تعلُّم العلوم الضروريَّة الَّتي يحتاج إليها المسلِمون، ممَّا لا يوجد إلا في بلاد الكفَّار، أو معالجة مرضٍ، ونحو ذلك، بشرْط أمْن الفتنة، والعودة مباشرة عند انتهاء الحاجة، كما سبق التعرض له في الفتويين: "حكم الكذب للعمل في بلاد الكفار"، "حكم السفر إلى أمريكا للإقامة".
وعليه؛ فما دام الحال كما ذكرت، من استحالة الإقامة في بلد عربي أو إسلامي؛ لصعوبةِ الحصول على تأشيرات إقامة، واستحالة العودة للصُّومال - فيجوز لك طلَبُ اللُّجوء السياسي، وكذلك الحصول على الجنسيَّة الأجنبيَّة؛ لأنَّ الضَّرورات تُبيح المحظورات، فإن لم يتسنَّ لك ذلك إلاَّ بالكذب، فلا بأس.
وقد ذكر أهل العلم ضوابط لما يباح له الكذب، قال النووي في الأذكار: "وأحسن ما رأيته في ضبطه، ما ذكره الإمام أبو حامد الغزالي فقال: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعًا، فالكذب فيه حرام؛ لعدم الحاجة إليه، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب ولم يمكن بالصدق، فالكذب فيه مباح، إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحًا، وواجبٌ إن كان المقصود واجبًا". اهـ.
فالكذب، وإن كان من قبائح الذنوب؛ كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: « » ؛ رواه مسلم، إلا أنَّ الاضطِرار للمحافظة على النَّفس والعِرض تُجيز ذلك.
أمَّا الحصول على جنسيَّة بريطانيَّة، فهو وإن كان كثير من أهل العلم منعوا منه، غير أنَّه جائز عند الضرورة، وراجع فتوى: "حكم التجنس بجنسية الكفار".
هذا؛ وننصح السَّائل الكريم، بالاستِقامة على شرْع الله القويم، والحرْص على ما ينفعُه، والإقلال من الاختِلاط بتلك المجتمعات، فإذا انتهت حاجتُه وحصل على ما يرجو، عاد إلى بلاد الإسلام؛ حفاظًا على دينه، ورعايةً لمصالح أمِّه وإخوته.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: