ميقات أهل مكة

منذ 2014-03-30
السؤال:

أنا مُقيم في مدينةٍ تبعد عن مكة المكرمة بأكثر مِن 200 كيلو متر؛ حيثُ مقرُّ عملي، والزوجةُ والأولاد مُقيمون بمكة المكرمة؛ حيثُ مقرُّ عملِ الزوجة.

أنوي السفر إلى مكة المكرمة في الإجازة، فهل يجوز أن أدخلَ مكة المكرمة بنية الإقامة مع الزوجة والأولاد، حتى يوم عرفة، ثم أنوي الحج مِن داخل مكة المكرمة؟

وماذا أفعل لتكونَ مناسك الحج صحيحة - بإذن الله تعالى؟

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فالذي يظهر من كلامكَ -أَيُّها الأخُ الكريمُ- أنك من أهل مكة، وأنك مقيمٌ في تلك المدينة البعيدة عن زوجتك وأبنائك مِن أجل العمل فقط؛ فإن كان كذلك، فإنَّ محل إقامتك هو مكة المكرمة؛ فلو كنتَ مقيمًا بها، وأردت الحج، فَمَهَلُّكَ منها؛ للحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَجَّ، وَالعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ، فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا»، ولكن الحالُ أنك مقيمٌ خارجَ بلدِ إقامتك، وعند عودتك سَتَمُرُّ على ميقاتٍ مكانيٍّ، والحال أنكَ مريدٌ للحجِّ، فتلحق بالآفاقي.

وقد نَصَّ أهلُ العلم على أن من خَرَجَ إلى خارجِ المواقيت لحاجة، ثم مَرَّ بأحدها مُريدًا للنُّسُك، لَزِمَهُ الإحرامُ، ولو كان مِن مستوطني مكة.

وذلك؛ لعموم قول النبي  -صلى الله عليه وسلم- السابق؛ فالعبرةُ بالمرور بالميقات مع نية النسك، أما مَن مَرَّ بأحدِها غير مُريدٍ للنُّسُكِ، فَلَا يلزَمُهُ الإحرامُ، ولو كان من غير أهل مكة.

فالواجبُ عليك -أخي الكريمُ- أن تُنشِئَ نيةَ النُّسُكِ من الميقات المكانيِّ الذي سَتَمُرُّ عليه أثناء عودتك لمكة المكرمة، وتُحرِمَ متمتعًا بالعمرة، فإذا دخلت مكة أتيت بالعمرة، ثم تُحِلُّ منها، فإذا كان يومُ التروية، تُهِلُّ بالحج، وتخرجُ لِمِنًى غيرَ أنه لا دَمَ عليك؛ قال -تعالى-: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَام}[البقرة: 196]؛ وهو قولُ جمهور الفقهاء.

قال القرطبي في تفسيره (2 / 403): "أي: إنما يجب دم التمتع عن الغريب الذي ليس مِن حاضري المسجد الحرام؛ عن ابن عباسٍ، أنه سئل عن متعة الحج فقال: أَهَلَّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً، إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ» (أخرجه البخاري) ، طفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: «مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ، فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ»، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك، جئنا فطفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، فقد تم حجنا، وعلينا الهدي؛ كما قال الله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ} إلى أمصاركم، الشاة تجزي، فجمعوا نسكين في عامٍ بين الحج والعمرة".

وقد قال التقيُّ السُّبكيُّ في فتاويه: "لو أن مكيًّا سافر إلى بعض البلاد، واستوطن بها، أو لم يستوطنْ؛ فإذا جاء إلى مكة، وأراد أن يجتاز بالميقات مُريدًا للنسك، فعليه أن يُحْرِمَ؛ أي: من الميقات؛ كما صرح به القاضي أبو الطيب، والمتولي، وذلك ما لا خلاف فيه".

تقبل الله منا ومنك سائر الأعمال.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 0
  • 0
  • 14,556

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً