كيف أوفق بين الدعوة إلى الله وبين طلب العلم؟
أرجو من فضيلتكم توجيهي إلى الطريق الأمثل للدعوة إلى الله، وكيف يُمكن تحضير خُطبة جيِّدة، أو مادة أُلْقيها في درْسٍ علمي؟
وكيفيَّة التوفيق بين الدعوة إلى الله ومواصلة طلب العلم؛ كي يرتقي الطالب بمستواه العلمي؛ حتى يستطيع أنْ يُلبِّي الجديد في سَعْيه في الدعوة إلى الله.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحْبه ومَن والاهُ.
أمَّا بعدُ:
فأوَّل ما يجب عليك تحقيقه ومُجاهدة النفس فيه هو الإخلاص، فلا يكون دافِعُك إلى الخطابة إلاَّ ابتغاءَ مَرْضاة الله -سبحانه وتعالى- وتجرُّدَ نيَّتك من أيِّ غرضٍ وشائبة، والإخلاص ليس بالأمْر الهَيِّن، وإنما يتطلَّب منك مُجاهدة وصبرًا؛ لأنه لا حظَّ للنفس فيه، ولا شكَّ أن تَحصيله عظيم البركة والنفْع لك؛ سواءٌ في الأجْر، أو في تحقيق نفْع الناس، ثم راقِبْ نيَّتَك عند إعداد الخُطبة، فإذا رأيتَ اعوجاجًا في القصْد، فأَصْلِحْه، وأَلْزِمْ نفسَك الصِّدق مع الله -تعالى- وخَوِّفْ نفسَك الرِّياء والعُجب، فمِن قبائحه: أنَّ علاماته تَلوح على صاحبه، فتُنَفِّرُ الناس منه، وتُفْقِدُهم الثِّقة، وقَلَّما أُخْفِي فسادُ السريرة ولَم تَفضَحْه لوائحُ الظاهر والعلانية؛ مصداقًا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: « »؛ (رواه البخاري ومسلم).
وقال عثمان -رضي الله عنه-: "ما أَسَرَّ أحدٌ سريرةً إلاَّ أظهَرها الله -عز وجل- على صفحات وجْهه وَفَلَتَات لسانه".
ثانيًا: ينبغي أن تكون الخُطبة مشتملةً على القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وضرْب الأمثال من القَصص والوقائع المتشابهة؛ لتقريب الأمر للمخاطب.
أمَّا اختيار موضوع الخطبة وإعدادها -بناءً على ذلك- فيجب أن تُراعي فيه الجمهور الذي تتحدَّث إليهم، فينبغي أن تُراعي مستواهم الثقافي والاجتماعي، ولا تُهمل الفروق الفردية، وينبغي أيضًا مُراعاة المناسبات والأحوال، فلا تنفصل عن واقع الناس وهمومِهم.
والحاصل أنَّ تحديد موضوع الخطبة يجعلك واثقًا مما ستقول، واعيًا له، مُحددًا أسلوب الطرح والخطاب، وكذلك تحديد هدفٍ قريب للخُطبة تَقصد به مثلاً إيصالَ فكرةٍ مُحددةٍ للناس، فترتيب الأمور بحَسَبِ أهميَّتها، وكذلك تحديد مدَّة الخُطبة، فتؤدي فيها فكرتَك في وقتٍ قصير غيرِ مُخلٍّ.
ثالثًا: ضعْ مقدمةً مناسبةً تبدأ بها، بشرْط أن تكون قصيرة وموجَزة، وقويَّة وواضحة، ومتعلِّقة بالموضوع، ومُشَوِّقة تُساعد المستمع على الفَهْم والاستيعاب، ثم تتناول بعد ذلك النقاط الرئيسة بدقَّة، مع عرْض خلاصةٍ في النهاية، وأنصحُكَ بمراجعة كتاب الشيخ محمد أبي زهرة: "الخطابة".
أمَّا طلب العلم مع الدعوة إلى الله، فإنه لا ينقطع أبدًا؛ لأنَّ العلم ليس له نهاية، ومَن ظنَّ أنه قد حصَّل ما يُمَكِّنُه من الدعوة إلى الله، ولا يحتاج المزيد، فهو مُخطئٌ قطعًا؛ ففي مناقب "الإمام أحمد"؛ لابن الجوزي (ص55): "رأى رجلٌ مع الإمام أحمدَ مِحْبرةً، فقال له: يا أبا عبدالله، أنت قد بلغْتَ هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، ومعك المِحْبرةُ تحملها؟! فقال: "مع المِحْبرة إلى المقبرة".
وفيه أيضًا عن محمد بن إسماعيل الصايغ، أنه قال: كنت أصوغ مع أبي ببغداد، فمرَّ بنا أحمد بن حنبل -وهو يَعْدو ونَعْلاه في يده- فأخَذ أبي هكذا بمَجامع ثوْبه، فقال: يا أبا عبدالله، ألا تستحيي؟ إلى متى تَعْدو مع هؤلاء الصبيان؟ قال: "إلى الموت".
ولَمَّا قيل لابن المبارك: إلى متى تطلب العلم؟ قال: "حتى الممات إن شاء الله"، وقيل له مرة أخرى، فقال: "لعلَّ الكلمة التي تنفعني لَم أكتبْها بعدُ"؛ كما في "جامع بيان العلم وفضْله"؛ لابن عبد البر، (1 / 406).
هذا، ونَنصح الأخ الكريم بمراجعة بعض الدروس العلميَّة المنهجيَّة الصوتيَّة، والخُطب المنبريَّة لعلماء العصر، وهي متوفرة على شبكة الإنترنت، وفي مواقعهم الإلكترونيَّة، وهذا سيُمَكِّنك أيضًا من جزءٍ كبيرٍ مما تسأل عنه.
- التصنيف:
- المصدر: