لا تُحسم نفقاتُ استصلاح الأراضي من الزكاة

منذ 2014-05-04
السؤال:

من استصلح أرضاً للزراعة وكلفته مبلغاً من المال، فهل يحسم نفقات استصلاح الأرض قبل إخراج الزكاة؟

الإجابة:

أولاً:الراجح من أقوال أهل العلم أن الزكاة واجبة في كل ما أخرجته الأرضُ مما يُقصد بزراعته نماءُ الأرض واستغلالُها عادةً، مثل القمح والشعير والعنب والتين والزيتون والورود والرياحين والزعتر والأعشاب الطبية التي يستنبتها الإنسان ونحوها، وهذا قول الإمام أبي حنيفة في زكاة المزروعات، وهو أقوى المذاهب الفقهية في هذه المسألة، فلم يحصر الزكاة في الأقوات الأربعة التي كانت معروفة قديماً، وهي القمح والشعير والتمر والزبيب، ولم يحصرها في ما يُقتات ويُدخر، كما هو قول المالكية والشافعية، ولم يحصرها في ما ييبس ويبقى ويُكال، كما هو قول الحنابلة. وقول أبي حنيفة أهدى سبيلاً وأصح دليلاً، واعتمد في ذلك على عموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [سورة البقرة الآية267]، وعلى قوله تعالى: {الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [سورة الأنعام الآية141]. والمراد بالحق في الآية الزكاة المفروضة، كما نقله القرطبي عن جماعة من الصحابة والتابعين. واحتج أبو حنيفة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر،وفيما سُقي بالنضح نصف العشر» (رواه البخاري). قال الإمام ابن العربي المالكي ناصراً قول أبي حنيفة: [وأما أبو حنيفة، فجعل الآية مرآته، فأبصر الحق وقال: إن الله أوجب الزكاة في المأكول قوتاً كان أو غيره وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في عموم: «فيما سقت السماء العشر»] أحكام القرآن لابن العربي2/759.

ثانياً:الواجبُ إخراجُ زكاة الزروع والثمار عند الحصاد أو القطاف، لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ولا تجب الزكاة إلا إذا بلغ المحصول نصاباً، والنصابُ خمسةُ أوسقٍ، وتساوي في وقتنا الحاضر 653 كيلو غرام تقريباً، فإذا بلغ المحصول نصاباً، فتجب فيه الزكاة. ومقدار الواجب يكون 10%من الإنتاج إذا كانت المزروعات تٌسقى بماء المطر أو مياه العيون بدون كلفةٍ يتحملها المزارع، أو 5%إذا كانت المزروعات تُسقى بجهدٍ من المزارع، كمن يشتري المياه، أو 7.5%إذا كانت المزروعات تُسقى بكلٍ من الطريقتين السابقتين.

ثالثاً:اتفق الفقهاء على أن نفقات الري لا تُحسم قبل الزكاة، لأن الشارع الحكيم غاير في الواجب بين ما يُسقى بعلاً وما يُسقى نضحاً.

رابعاً:مسألةُ حسم النفقات التي أنفقها المزارع، سواءً كانت قبل البدء بالزراعة كتهيئة الأرض واستصلاحها وشراء المعدات الزراعية، أو كانت نفقات أنفقها على زرعه، كثمن الأسمدة والمبيدات وأجور العمال ونحوها، مسألةٌ خلافيةٌ بين الفقهاء قديماً وحديثاً، ولا أعلم ورود نصوصٍ شرعيةٍ صريحةٍ فيها،لذا كانت مجالاً واسعاً لاختلاف وجهات النظر.

خامساً:هنالك ثلاثةُ اتجاهاتٍ لأهل العلم في حسم النفقات التي تحملها المزارع وهي:

(1)جمهور العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم يرون أن هذه النفقات لا تخصم قبل أداء الزكاة، بل تجب زكاة جميع ما خرج من الأرض.

(2)رأي عطاء من فقهاء السلف واختيار أبي بكر بن العربي بحسم النفقة مطلقاً، قال عطاء: [إنه يسقط مما أصاب النفقة فإن بقي مقدار الزكاة زكى وإلا فلا] المحلى4/66.وعن عطاء قال: [ارفع البذر والنفقة وزك ما بقي] وقال عطاء في الزرع: [إذا أعطى صاحبه أجر الحاصدين والذين يدورون عليه، هل عليه فيما أعطاهم صدقة؟ قال:لا، إنما الصدقة فيما حصل في يديك) مصنف ابن أبي شيبة4/23، وانظر عارضة الأحوذي3/144-145.

(3)رأيٌ لبعض المعاصرين بإسقاط الثلث من المحصول مقابل النفقات، ثم إخراج الزكاة من الباقي حسب كيفية الري‏. وهذا ما انتهت إليه الندوة الفقهية الاقتصادية السادسة لدلَّة البركة.‏

سادساً:ما قرره مجمع الفقه الإسلامي بشأن زكاة الزراعة، حيث قرر ما يلي: أولاً: لا يُحسم من وعاء الزكاة النفقات المتعلقة بسقي الزرع؛ لأن نفقات السقي مأخوذة في الشريعة بالاعتبار، في المقدار الواجب. ثانياً:لا تُحسم من وعاء الزكاة نفقات إصلاح الأرض وشق القنوات ونقل التربة. ثالثاً:النفقات المتعلقة بشراء البذور والسماد والمبيدات لوقاية الزرع من الآفات الزراعية ونحوها مما يتعلق بموسم الزرع، إذا أنفقها المزكي من ماله لا تحسم من وعاء الزكاة، أما إذا اضطر للاستدانة لها لعدم توافر مال عنده فإنها تُحسم من وعاء الزكاة. ومستند ذلك الآثار الواردة عن بعض الصحابة ومنهم ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم. وهو أن المزارع يخرج ما استدان على ثمرته ثم يزكي ما بقي. رابعاً:يُحسم من مقدار الزكاة الواجبة في الزروع والثمار النفقات اللازمة لإيصالها لمستحقيها].

سابعاً: ما انتهت إليه الندوةُ الفقهيةُ الاقتصادية السادسة لدلَّة البركة جواباً على السؤال التالي:تقوم -شركة- البركة بمشروعاتٍ زراعيةٍ استثماريةٍ وتتحمل في سبيل إصلاح الأرض وإعدادها للزراعة وتحسين إنتاجها نفقاتٍ كثيرةٍ‏،‏ فما هي الحدود لحسم هذه التكاليف؟ وهل تُزكى هذه المشروعات بناءً على الحكم الأصلي في إخراج العشر أو نصف العشر تبعًا لكيفية الريّ؟ الفتوى‏:‏ بعد مناقشاتٍ مستفيضةٍ اتضح أن هناك وجهات نظر ثلاثاً‏:‏ الأولى‏:‏ ترى حسم جميع النفقات ثم تخرج العشر أو نصف العشر‏.‏ الثانية‏:‏ عدم حسم التكاليف وإخراج الزكاة فيما سُقي بماء السماء العشر‏، وفيما سُقي بآلة نصف العشر‏.‏ الثالثة‏:‏ إسقاط الثلث من المحصول ثم إخراج الزكاة من الباقي حسب كيفية الريّ‏.‏ وقد انتهى الحاضرون إلى اختيار حسم النفقات قبل إخراج الزكاة على ألا يتعدى الحسمُ الثلث‏، ثم يتم حساب الزكاة بإخراج العشر إن كان الري بماء السماء‏، ونصف العشر إن كان بآلة‏].

ثامناً: بعد إجالة النظر والفكر والتأمل في أقوال الفقهاء قديماً وحديثاً في هذه المسألة، أرى أنه يجب التفرقة في النفقات بين ما كان قبل الزرع وبعده، فنفقات استصلاح الأراضي وتهيئتها للزراعة، ونفقات شراء المعدات والأدوات اللازمة للزراعة، كالجرارات والحصادات ومولدات الكهرباء ونحوها مما يُقصد به تأسيس المزرعة وتجهيزها، لا تُحسم من الزكاة،فمَثلُها كمَثلِ من اشترى أرضاً وأقام عليها محلاتٍ ليجعل تجارته فيها، فلا تحسم نفقات شراء الأرض والبناء من زكاة تجارته. نقل الشيخ ابن قدامة المقدسي عن أبي عبيد قوله: [ولا يؤثر حفر الأنهار والسواقي في نقصان الزكاة، لأن المئونة تقل،لأنها تكون من جملة إحياء الأرض، ولا تتكرر كل عام] المغني2/556. ونقل القرافي عن بعض فقهاء المالكية: [وأما حفر الأنهار والسواقي وإقامة الجسور، فلا تأثير لمئونة ذلك] الذخيرة3/83. وهذا الاختيارُ موافقٌ لقرار مجمع الفقه الإسلامي المذكور سابقاً [لا تُحسم من وعاء الزكاة نفقاتُ إصلاح الأرض وشق القنوات ونقل التربة] وموافقٌ لما ورد في معيار الزكاة [لا تحسم من الموجودات الزكوية مصروفات الري، ولا مصروفات إصلاح الأرض والقنوات والتربة] المعايير الشرعية ص480. وأما النفقات المتعلقة بالزراعة نفسها كأجرة الحراثة وثمن السماد والمبيدات وأجرة العمال ونحوها، فتحسم قبل إخراج الزكاة، إذا كان المزارع قد أنفقها من ماله نقداً، فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه قال في الرجل ينفق على ثمرته، فقال: يرفع النفقة ويزكي ما بقي) مصنف ابن أبي شيبة2/377. وعن عطاء قال: [إنه يسقط مما أصاب النفقة، فإن بقي مقدار الزكاة زكى وإلا فلا] المحلى 4/66. وروى يحيى بن آدم عن وكيعٍ عن إسماعيل بن عبد الملك قال: [قلت لعطاء: الأرض أزرعها؟ فقال: ارفع نفقتك وزكِ ما بقي] الخراج ص 152. وأما إذا كانت تلك النفقات ديوناً، فيطبق عليها قاعدة أثر الديون على الزكاة، والذي أرجحه فيها بعد دراسة أقوال الفقهاء وأدلتهم، أن الدَّين المُقَسَّط -المؤجل- لا يمنع الزكاة، وبالتالي فمنْ كان عليه دينٌ مقسطٌ -مؤجلٌ- على شهورٍ أو سنوات، يلزمه أن يزكي ما بيده من أموال، ولا يُحسَم الدَّين المُقَسَّط -المؤجل- من وعاء الزكاة، ما عدا القسط الذي يؤديه وقت زكاته، فهذا الدَّين يُحسم من الوعاء الزكوي قبل إخراج الزكاة.

وخلاصة الأمر أن الزكاة واجبة في كل ما أخرجته الأرض مما يُقصد بزراعته نماء الأرض واستغلالها عادةً على الراجح من أقوال أهل العلم. وأن مقدار الواجب10%من الإنتاج، إذا كانت المزروعات تٌسقى بماء المطر أو مياه العيون بدون كلفةٍ، أو 5% إذا كانت المزروعات تُسقى بجهدٍ من المزارع، أو 7.5% إذا كانت المزروعات تُسقى بكلٍ من الطريقتين السابقتين. وأن مسألةُ حسم النفقات التي أنفقها المزارع، مسألةٌ خلافيةٌ بين الفقهاء قديماً وحديثاً، ولا أعلم ورود نصوصٍ شرعيةٍ صريحةٍ فيها، وقد اختلف الفقهاء فيها على ثلاثة آراءٍ بينتها. والذي أرجحه أنه يجب التفرقة في النفقات بين ما كان قبل الزرع وبعده، فنفقات استصلاح الأراضي وتهيئتها للزراعة، لا تحسم من الزكاة، والنفقات المتعلقة بالزراعة نفسها،تحسم قبل إخراج الزكاة إذا كان المزارع قد أنفقها من ماله نقداً، وإذا كانت ديوناً حالَّة فتحسم من وعاء الزكاة، وإذا كانت ديوناً مقسطة فلا تحسم. والله الهادي إلى سواء السبيل.

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 6
  • 0
  • 25,970

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً