ضوابطُ نقل الزكاة

منذ 2014-05-14
السؤال:

هل يجوز أن أرسل زكاة أموالي للاجئين السوريين في الأردن، حيث إنهم في حاجةٍ ماسةٍ كما ينشر في الإعلام؟

الإجابة:

قرر جمهور العلماء أن الأصل في أموال الزكاة أن تصرف في بلد الوجوب، وعلى ذلك دلت النصوص الشرعية، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تُؤْخَذ من أغنيائهم وتُرَدُّ على فقرائهم» (رواه البخاري ومسلم). وعن عمران بن حصين أنه (استُعملَ على الصدقة فلما رجع قيل له؛ أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعناه حيث كنا نضعه) رواه أبو داود وابن ماجة، والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلا إبراهيم بن عطاء وهو صدوق كما قال الشوكاني في نيل الأوطار 4/170.

وعن أبي جُحيفة قال: «قدم علينا مصدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عامله على الصدقة، فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا» (رواه الترمذي وحسَّنه).

قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [واستحب أكثر أهل العلم أن لا تنقل من بلدها وقال سعيد‏: ‏حدثنا سفيان عن معمر‏، ‏عن ابن طاووس عن أبيه قال في كتاب معاذ بن جبل‏: من أخرج من مخلاف -منطقة- إلى مخلاف ‏فإن صدقته وعشره ترد إلى مخلافه. وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه ردَّ زكاةً أُتي بها من خراسان إلى الشام، إلى خراسان. وروى عن الحسن والنخعي أنهما كرها نقل الزكاة من بلدٍ إلى بلدٍ إلا لذي قرابة. وكان أبو العالية يبعث بزكاته إلى المدينة. ولنا ‏‏قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ‏: ‏أخبرهم أن عليهم صدقةً تُؤخذ من أغنيائهم‏، ‏فترد في فقرائهم‏) ‏وهذا يختص بفقراء بلدهم. ولما بعث معاذ الصدقة من اليمن إلى عمر أنكر عليه ذلك عمر وقال‏: ‏لم أبعثك جابياً‏، ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد في فقرائهم، فقال معاذ‏: ‏ما بعثت إليك بشيءٍ وأنا أجد أحداً يأخذه مني. رواه أبو عبيد في الأموال. وروى أيضاً. . . ‏أن زياداً أو بعض الأمراء بعث عمران على الصدقة‏، ‏فلما رجع قال‏: ‏أين المال‏؟ ‏قال‏: ‏أللمال بعثتني‏؟‏ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولأن المقصود إغناء الفقراء بها، فإذا أبحنا نقلها أفضى إلى بقاء فقراء ذلك البلد محتاجين‏] المغني4 /44.

وقد أجاز جماعة من أهل العلم نقل الزكاة من محل الوجوب إلى غيره إذا كان قريباً، قال الشيخ ابن قدامةالمقدسي: [المستحب تفرقة الصدقة في بلدها، ثم الأقرب فالأقرب من القرى والبلدان، قال أحمد في رواية صالح: لا بأس أن يعطي زكاته في القرى التي حوله ما لم تقصر الصلاة في أثنائها، ويبدأ بالأقرب فالأقرب، وإن نقلها إلى البعيد لتحري قرابةٍ، أو من كان أشدَّ حاجةً، فلا بأس ما لم يجاوز مسافة القصر] المغني4/45.

ومن أهل العلم من أجاز نقل الزكاة من موطن وجوبها إذا ترتب على نقلها مصالح للمسلمين، قال الإمام النووي: [وربما اقتضى جواز النقل للإمام والساعي والتفرقة حيث شاء، قال وهذا أشبه وهذا الذى رجحه هو الراجح الذى تقتضيه الاحاديث] المجموع 6/175.

وقال سحنون المالكي: [ولو بلغ الإمام أن ببعض البلاد حاجةً شديدةً جاز له نقل بعض الصدقة المستحقة لغيره إليه، فإن الحاجة إذا نزلت وجب تقديمها على من ليس بمحتاج (والمسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه)] تفسير القرطبي 8/175.

وقال العلامة العثيمين: [يجوز للإنسان أن ينقل زكاته من بلده إلى بلدٍ آخر إذا كان في ذلك مصلحة، فإذا كان للإنسان أقارب مستحقون للزكاة في بلدٍ آخر غير بلده وبعث بها إليهم فلا بأس بذلك، وكذلك لو كان مستوى المعيشة في البلد مرتفعاً وبعث بها الإنسان إلى بلد أهله أكثر فقراً فإن ذلك أيضاً لا بأس به، أما إذا لم يكن هناك مصلحة في نقل الزكاة من بلدٍ إلى البلد الثاني فلا تنقل] عن الإنترنت.

وسئل العلامة العثيمين هل يجوز نقل الزكاة من بلدٍ إلى بلدٍ آخر؟ فأجاب: [نعم يجوز نقل الزكاة من بلدٍ إلى بلدٍ أخرى، ولكن الأفضل أن يفرقها في بلده؛ إلا إذا كان في النقل مصلحة، مثل أن يكون له أقارب في بلدٍ آخر من أهل الزكاة، فيريد أن ينقلها إليهم، أو يكون البلد الآخر أكثر حاجة من بلده فينقلها إليهم؛ لأنهم أحوج فإن هذا لا بأس به، وإلا فالأفضل أن يفرقها في بلده] مجموع فتاوى العثيمين عن الإنترنت.

ومما يدل على جواز نقل الزكاة من موطن الوجوب إذا ترتب على النقل مصلحةٌ، قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة الآية60]، فالآية مطلقةٌ غير مقيدة بمكانٍ خاص، قال الإمام الجصاص الحنفي: [ظاهر الآية يقتضي جواز إعطائها في غير البلد الذي هو فيه المال] أحكام القرآن 3/137.

وأورد الإمام البخاري في صحيحه: «وقال طاووس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن ائتوني بعرض ثيابٍ خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهونُ عليكم وخيرٌ لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة».

وذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني أن مذهب الإمام البخاري هو جواز نقل الزكاة، فقال تعليقاً على حديث معاذ السابق: [قوله: (باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا) قال الإسماعيلي: ظاهر حديث الباب أن الصدقة ترد على فقراء من أخذت من أغنيائهم، وقال ابن المنير: اختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال لعموم قوله: "فترد في فقرائهم" لأن الضمير يعود على المسلمين، فأي فقيرٍ منهم رُدت فيه الصدقة في أي جهةٍ كان فقد وافق عموم الحديث. انتهى.

والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث عدم النقل، وأن الضمير يعود على المخاطبين فيختص بذلك فقراؤهم، لكن رجح ابن دقيق العيد الأول، وقال: إنه وإن لم يكن الأظهر إلا أنه يقويه أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر، فلا تعتبر في الزكاة كما لا تعتبر في الصلاة، فلا يختص بهم الحكم وإن اختص بهم خطاب المواجهة] فتح الباري 3/419.

والقول بجواز نقل الزكاة لمصلحةٍ معتبرةٍ هو القول الراجح، وهو قول جماعة من الفقهاء المتقدمين كالحنفية والحسن البصري وإبراهيم النخعي، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو قول جماعة من الفقهاء المعاصرين واختارته عدة هيئات شرعية معاصرة. انظر فقه الزكاة د. القرضاوي 2/809 بحث د. محمد شبير “نقل الزكاة من موطنها الزكوي”من ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 1/450.

أما عن ضوابط نقل الزكاة إلى غير موضعها، فهذه أهمها:

الأصل في صرف الزكاة أن توزع في موضع الأموال المزكاة –لا موضع المزكي– ويجوز نقل الزكاة عن موضعها لمصلحة شرعية راجحة‏. ‏ومن وجوه المصلحة للنقل‏:

‏(1) نقلها إلى أقارب المزكي المستحقين للزكاة‏، لأن في ذلك جمعاً بين صلة الرحم والصدقة وهو الذي تقتضيه الأحاديث.

(2) نقلها إلى المؤسسات الدعوية أو التعليمية أو الصحية أو المشاريع الخيرية الإسلامية التي يترتب عليها خيرٌ كبيرٌ للمسلمين، والتي تستحق الصرف عليها من أحد مصارف الزكاة‏ الثمانية.

‏(3) نقلها إلى من هو أشد حاجة كالمتضررين من الكوارث والفيضانات والجفاف ومناطق المجاعات وغير ذلك مما يصيب بعض المسلمين في أنحاء العالم‏ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (رواه مسلم). ‏

(4) نقلها إلى مواطن الجهاد في سبيل الله‏ تعالى.

(5) نقلها من ديار غير المسلمين إلى فقراء ديار الإسلام، فهم أولى بها.

(6) نقلها لدفع الضرر عن مال الزكاة أو عن نفس المزكي كأن يخشى مصادرتها من الظلمة أو خشي المزكي لحوق الأذى به إن قام بتوزيعها في محل الوجوب من ديار الكفر.

(7) يشترط لجواز نقلها أن يضمن وصولها للمستحقين بأن يكون طريق النقل مأموناً، وكذا الناقل لا بد أن يكون مأموناً.

(8) نقلها إذا استغنى أهل بلد الوجوب.

(9) تكاليف نقل الزكاة لا تخصم منها، بل يتحملها الناقل.

ومما يسوغ من التصرفات في حالات النقل‏:

‏أ. تعجيل إخراج زكاة المال عن نهاية الحول بمدةٍ يمكن فيها وصولها إلى مستحقيها عند تمام الحول إذا توافرت شروط وجوب الزكاة‏ ولا تُقدم زكاة الفطر على أول رمضان‏.

‏ب. تأخير إخراج الزكاة للمدة التي يقتضيها النقل، وينبغي التنبيه على أن موضع زكاة الفطر هو موضع من يؤديها لأنها زكاة الأبدان‏. انظر فتاوى الندوة الثانية للهيئة الشرعية العالمية للزكاة من ضمن أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة 2/881.

وخلاصة الأمر أن الأصل في أموال الزكاة أن تصرف في بلد الوجوب، والمستحب تفرقتها في بلد جمعها، ثم الأقرب فالأقرب من القرى والبلدان، ويجوز نقل الزكاة من موطن وجوبها إذا ترتب على نقلها مصالح للمسلمين بالضوابط المذكورة سابقاً، ولا أرى لأهل فلسطين أن ينقلوا زكاة أموالهم للمسلمين خارج فلسطين عند حدوث الكوارث والحروب والمجاعات، لأن في زكاة أموال مسلمي العالم كفاية، ونظراً للحاجة الماسة لكثير من أهل فلسطين في ظل ظروف الاحتلال التي نعيشها، ويستثنى من ذلك من كان له قريبٌ خارج فلسطين وهو بحاجة شديدة ولا يوجد من يعينه فيرسل المزكي زكاة ماله لقريبه. 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 3
  • 2
  • 52,081

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً