المستشرقون وكتب فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك
لماذا اهتم المستشرقون بكتب فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك، فقاموا بتحقيقها ونشرها؟
القدسُ والمسجدُ الأقصى المبارك لهما مكانةٌ عظيمةٌ لدى المسلمين، قديماً وحديثاً، ويكفي من ذلك قول الله سبحانه تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [سورة الإسراء الآية 1].
“ولا يخلو كتاب من كتب الإسلام من التفسير والحديث والفقه من ذكر القدس والمسجد الأقصى المبارك، وما يتعلق بهما من فضائل وأحكام، وقد بدأ التأليف في فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك في القرن الثالث الهجري، وازدادت أعداد المؤلفات بعد ذلك، وخاصةً بعد سقوط بيت المقدس في أيدي الصليبيين.
وقد ذكر الأستاذ شهاب الله بهادر في كتابه المطبوع سنة 2009م بعنوان”معجم ما أُلف في فضائل وتاريخ المسجد الأقصى والقدس وفلسطين ومدنها ” مئتين وعشرين عنواناً، ولا بد من التنويه إلى أن الشطر الأكبر من كتب فضائل المسجد الأقصى المبارك وبيت القدس ما زال مخطوطاً، وما نُشر من هذا التراث قليلٌ. ولا ريب أن من واجب المسلمين المحافظة على المسجد الأقصى المبارك بكل وسيلةٍ ممكنةٍ، وخاصةً في أيامنا هذه، حيث يتعرضُ المسجدُ الأقصى المبارك لهجمةٍ شرسةٍ، فيُدنس صباحاً ومساءً، وتُحاك الخططُ والمؤامراتُ للاستيلاء عليه أو تقسيمه مكانياً أو زمانياً، في ظل غياب العرب والمسلمين!
وإن أقلَّ الواجبات علينا، إبرازُ مكانة المسجد الأقصى المبارك، وبيانُ منزلته عندنا معشر المسلمين، ومن سُبلِ ذلك نشُر الكتب والمخطوطات التي تناولت المسجد الأقصى المبارك خاصةً والقدس وفلسطين عامةً.
ومما يؤسف له، أن ما نُشر من كتب فضائل المسجد الأقصى والقدس وفلسطين، قام على نشر معظمه المستشرقون! والقليلُ مما نُشر، نشرهُ بعض الباحثين المسلمين.
ولا شك أن اهتمام المستشرقين بكتبِ فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك، له دوافعهُ الخبيثةُ، وليست القضية للبحث العلمي فقط، فدافعهم لدراسة كتبِ الفضائل المتعلقة ببيت المقدس وبلاد الشام، ليست ترفاً فكرياً، ولا إعجاباً بهذه المكانة التي تعلقت بها قلوب المسلمين وحواسهم على مرِّ العصور والأزمان، ودافع هذا الاهتمام البرهنةُ على أن مكانةَ بيت المقدس في الإسلام مكانةٌ ثانويةٌ، ففي كثيرٍ من كتابات المستشرقين، نجد أن هدفهم هو محاولةُ بيان أن بيت المقدس ليست لها أهميةٌ كبرى في عقيدة المسلمين.
ويكفينا مثلاً ما خَلُصَ إليه المستشرق (سيفان) بأن: ”زمان أول الرسائل التي كُتبت في فضائل بيت المقدس ومكانتها، يدفعنا إلى استنتاجٍ لا مَناصَ منه، وهو أن القدسَ لم يكن لها في واقع الأمر، تلك المكانةُ الساميةُ في وعي العالم الإسلامي“، وذلك القول يُعدُّ أُنموذَجاً للموقف الذي يستخلصه المستشرقون، بعد دراستهم المستفيضة لكتب فضائل المسجد الأقصى وبيت المقدس وبركة فلسطين وبلاد الشام.
وتدور جميع أبحاث المستشرقين في دراساتهم حول فضائل بيت المقدس على تأكيد النقاط التالية:
أولاً: أنه لم تكن هناك أي قداسةٍ لبيت المقدس في الإسلام، قبل حكم الخلافة الأموية لبيت المقدس، وأن الخليفة عبد الملك بن مروان قد بنى قبة الصخرة المشرفة ليصرف أنظار المسلمين عن الكعبة، وذلك بسبب ثورة ابن الزبير، وأن بناءه لقبة الصخرة المشرفة جاء ليكون مبنىً يحج إليه المسلمون، يُنافس الكعبةَ في مكة المكرمة، التي كانت آنذاك تحت سيطرة عبد الله بن الزبير، ولأن عبد الملك لم يرِدْ أن يحجَّ رعاياهُ إلى منطقة التمرد، وأن عبد الملك قد منع الأمويين من أداء الحج في مكة.
وهذه الفرية من افتراءات المستشرق اليهودي جولد زيهر، [لقد مال الباحثون إلى الاعتقاد وبينهم "جولد تسيهر"أن"عبد الملك" قصد من إقامته المبنى – قبة الصخرة - إعداد مبنى يحج إليه المسلمون ينافس الكعبة في مكة المكرمة التي كانت آنذاك تحت سيطرة خطر هو "عبد الله بن الزبير" إما لأن "عبد الملك" لم يرد أن يحج رعاياه إلى منطقة التمرد، وإما لأن "عبد الملك" قد منع الأمويين من أداء شعائر الحج في مكة، وتفيد الروايات أن "عبد الملك" لم يكتفِ بإقامة "معبد" قبة الصخرة الضخم، بل وجنَّد من أجل هدفه هذا محدثين يروون الأحاديث عن النبي" وخاصة ابن شهاب الزهري الذي كان آنذاك صغير السن، ولذلك فليس من الممكن أن يكون قد استجاب لطلب الخليفة الأموي التي تُشيد بالصلاة في القدس، وفي الحرم، وقبة الصخرة على وجه الخصوص. إن أشهر تلك الأحاديث المنسوب إلى أبي هريرة الصحابي الذي يضعفه الكثيرون!؟ والمنسوب لآخرين كذلك، وهذا نصه: (لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى) لقد انتشر هذا الحديث، وأحاديث أخرى متشابهة في المرويات الإسلامية، ولذلك يطلق على القدس والحرم، ثالث الحرمين، وهناك من يروي أن "عبد الملك: كان قد حاول في تلك الأيام أن يطور شعائر عبادة في الحرم تشبه تلك التي تقام في الكعبة كالطواف غير أن طواف الصخرة من اليمين إلى اليسار "على عكس الطواف في الكعبة"، وعادات أخرى غدت بدعاً]أدب فضائل المدن في دراسات المستشرقين اليهود ص 16.
ويعتقد المستشرق غويتاين أن الأسباب التي دفعت عبد الملك إلى إقامة قبة الصخرة ليست في الواقع سياسية، وإنما دينية.
وينبغي أن يُعلم أن المستشرقين لمَّا نشروا كتبَ فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك، قد وقعوا في أخطاءَ شنيعةٍ، إما عمداً أو جهلاً، كما أنهم بثوا أفكاراً غير صحيحةٍ، تتعلق بمقدساتنا في فلسطين. فمن مغالطاتهم قولهم ” تُعتبر الصخرة كمكانٍ مقدسٍ يأتي بعد مكة والمدينة، ومنذ العصر الأموي ونحن نسمع حج المسلمين إلى القدس، وبهذه الطريقة كانت تعتبر القدسُ بديلاً عن المقدسات العربية في السعودية، ويكون الطواف في القدس بديلاً عن الموجود في السعودية…وفي حين فضَّلت بعض الأعمال، وخاصة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الحج إلى القدس”.
ثانياً: إن قداسة بيت المقدس مصطنعةٌ، وإن الهالة القدسية التي تعاظمت لبيت المقدس ولفلسطين كانت بسبب الموروثات ” الإسرائيلية ” والمسيحية حول بيت المقدس.
ثالثاً: إن المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، هو في السماء وليس في الأرض، على حدِّ زعمهم، وأن كلمة الأقصى تفيد أنه مصلىً سماوي، أي القدس العليا، البعد الزماني المعلق، أو أن الأقصى مكانٌ آخر في المدينة.
والعجيب الغريب أن الشيعة الرافضة يقولون بمثل هذه الفرية.
رابعاً: يزعم المستشرقون أن الأحاديث التي رويت في فضائل بيت المقدس وُجدت في فترةٍ متأخرةٍ، وفي عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، وأن جُلَّ الأحاديث هذه، هي من اختلاق محمد بن شهاب الزهري. وغير ذلك من الأكاذيب والمفتريات.
لذلك كله فإن من واجب الباحثين المسلمين عامةً، ومن أهل بيت المقدس وأكنافه خاصةً، أن يبذلوا جهودهم في نشر هذا التراث الكبير العظيم -كتب فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك- وأن يتعقبوا بالنقد العلمي ما نشره المستشرقون من كتب فضائل المسجد الأقصى والقدس وفلسطين.
فهنالك تقصيرٌ واضح في نشر الدراسات والأبحاث المتعلقة بفضائل وتاريخ المسجد الأقصى والقدس وفلسطين.
وخلاصة الأمر أن القدس والمسجد الأقصى المبارك لهما مكانةٌ عظيمةٌ لدى المسلمين قديماً وحديثاً، ويكفي من ذلك قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}
وأن التأليف في فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك بدأ في القرن الثالث الهجري، وازدادت أعداد المؤلفات بعد ذلك وخاصةً بعد سقوط بيت المقدس في أيدي الصليبيين.
وهنالك أكثر من مئتين وعشرين عنواناً متعلقة بفضائل وتاريخ المسجد الأقصى والقدس وفلسطين. وأن الشطر الأكبر من كتب فضائل المسجد الأقصى المبارك وبيت القدس ما زال مخطوطاً، وما نُشر من هذا التراث قليلٌ.
وأن ما نُشر من كتب فضائل المسجد الأقصى والقدس وفلسطين، قام على نشر معظمه المستشرقون! والقليلُ مما نُشر، نشرهُ بعض الباحثين المسلمين؟! وأن اهتمام المستشرقين بكتبِ فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك، دافعهُ الأساسي هو التهوين والتقليل من مكانة بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك، والتشكيك في تلكم المكانة العظيمة.
وأن من واجب الباحثين المسلمين عامةً، ومن أهل بيت المقدس وأكنافه خاصةً، أن يبذلوا جهودهم في نشر هذا التراث الكبير العظيم -كتب فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك – وأن يتعقبوا بالنقد العلمي ما نشره المستشرقون من كتب فضائل المسجد الأقصى والقدس وفلسطين.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
حسام الدين عفانه
دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.
- التصنيف:
- المصدر: