ما الأولى الجهاد الكفائي أم نشر الإسلام الصحيح في بلد يحارب الدين ويشوهه؟
أنا من تركستان الشرقية، كنت قد سألتكم عن مسألة الهجرة من تركستان المحتلة من قبل الصين، وبينت أحوال المسلمين هناك، فأفتيتم بوجوب الهجرة على من يقدر، وبناء على هذه الفتوى هاجرت مع زوجتي إلى تركيا، ورزقت بولد، وقرأت وشاهدت على الإنترنت بيان العلماء الذي قرأه شيخنا الكريم محمد حسان ـ الداعية المعروف ـ في وجوب الجهاد في سوريا ضد الطاغوت بشار لرفع الظلم، وكنت قد درست في اليمن في مركز سلفي، وكنت قد استفدت من فهم العقيدة الصحيحة ـ والحمد لله ـ وقلقت على المسلمين في بلادي؛ لأن العلماء في بلادنا إما على عقيدة الأشعرية، وإما على عقيدة الماتردية، وغالب عامة الناس إما جهال لا يعرفون من الدين إلا اسمه، وإما مسلمون جاهلون متأثرون ببدع الصوفية، وأما الذين يعرفون عقيدة السلف فقليل جدًّا، ومع ذلك فالحكومة الشيوعية تسعى لإطفاء نور الله بكل أسلوب ـ والله متم نوره ـ وسؤالي هو: أتمنى أن أذهب إلى سوريا لرفع الظلم وللشهادة، وأعرف رجلًا سوريًا يقوم بخدمة إيصال المجاهدين إلى أرض المعركة، واستقبال الجرحى من هناك، واستأذنت الوالدين فوافقا بكل سرور ـ نسألكم الدعاء لوالدي ـ وقال أخي الكبير: إنه سيرافقتي، وله ثلاثة أولاد، وإذا ذهبنا إلى سوريا فإن الحكومة الملعونة ستعرف ذلك، وقد تؤذي والدي كثيرًا، فأي الطريقين أوجب علينا: الجهاد أم طلب العلم ونشره لأهل تركستان المظلومين الذين هم في خطر من دينهم؟ وإذا كان الأوجب والأفضل هو الجهاد، فهل أرجع زوجتي وابني إلى أبويها في تركستان؟ وعندي صلوات كثيرة جدًّا لابد من قضائها، ولا أستطيع قضاءها في وقت قصير، فهل يقبل الله الشهادة مني إذا قتلت في سوريا قبل أداء تلك الصلوات؟ وقد رأيت نفسي في مكان مشمس وأمامي مجرى ماء صغير، فقلت في نفسي: هذا الماء جار من الجنة فشربت منه، ورفعت رأسي فرأيت رجلين وقلت في نفسي: إنهما إبراهيم - عليه السلام - وابنه إسماعيل، وقلت للرجل الذي عرفته إبراهيم: هل هذا ابنك إسماعيل؟ فأقر بنعم، فهل من الممكن رؤية الأنبياء غير رسول الله - صلى عليه وسلم - في المنام؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فلا شك أن سوريا الآن تعتبر أرض جهاد، ويثاب العبد على جهاده هناك إذا نوى إعلاء كلمة الله تعالى، ورفع الظلم عن المسلمين، وقد سبق أن بينا أن الجهاد في سوريا فرض عين على من بداخلها.
وأما من بخارجها: فإننا نرى أن الجهاد بالنفس ليس بفرض عين عليهم، إذ المجاهدون في سوريا لا ينقصهم عدد الرجال فيما علمناه من بعض أهلها، وإنما ينقصهم السلاح والمال، وإذا كان الأمر كذلك، وكان واقع الحال في بلادك ما ذكرت من فشو الجهل والبدع وقلة العلماء، فلعل ذهابك إلى بلادك لنشر الإسلام، وتعليم الناس أنفع للإسلام والمسلمين وأعظم أجرًا، هذا إذا كنت تستطيع الذهاب وتأمن على نفسك ودينك، وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122].
قال الشيخ السعدي في تفسيره: يقول تعالى منبهًا لعباده المؤمنين على ما ينبغي لهم: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} ـ أي: جميعًا لقتال عدوهم، فإنه يحصل عليهم المشقة بذلك، وتفوت به كثير من المصالح الأخرى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ} ـ أي: من البلدان، والقبائل، والأفخاذ طَائِفَةٌ تحصل بها الكفاية والمقصود لكان أولى، ثم نبه على أن في إقامة المقيمين منهم وعدم خروجهم مصالح لو خرجوا لفاتتهم، فقال: {لِيَتَفَقَّهُوا} ـ أي: القاعدون فِي الدِّينِ: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} ـ أي: ليتعلموا العلم الشرعي، ويعلموا معانيه، ويفقهوا أسراره، وليعلموا غيرهم، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم, ففي هذا فضيلة العلم، وخصوصًا الفقه في الدين، وأنه أهم الأمور، وأن من تعلم علمًا، فعليه نشره وبثه في العباد، ونصيحتهم فيه فإن انتشار العلم عن العالم، من بركته وأجره، الذي ينمى له. اهــ.
ويجب عليك قضاء الصلوات التي في ذمتك، وإن مت قبل قضائها فأمرك إلى الله تعالى إن شاء عذبك وإن شاء غفر لك، وفي الحديث الصحيح: « » (رواه مالك في الموطأ، وأبو داوود، وصححه الألباني).
وأما الرؤيا التي رأيتها: فليس عندنا في الموقع خدمة تأويل الرؤيا، ولكنها في الجملة رؤيا خير ـ إن شاء الله تعالى ـ ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: