طلب الخلع أو الطَّلاق لتعلُّق المرأة بغيرِ زوْجِها

منذ 2015-01-29
السؤال:

زوجتي كانت تُحبُّ شخصًا آخر وهي على ذمَّتي، وغفرْتُ لها من أجل ابنتِنا، ولكِن لَم نُعْلِن هذا أمام الملأِ؛ من أجل السِّتر عليْها وعلى سُمْعتي وسُمعة ابنتِي، على أن تَخشى الله بما تفعلُه.

بعد عام ونصفٍ، فُوجئتُ بها ترفَع قضيَّة خُلْع بلا سبب؛ حيث إني في بلادٍ أخرى أحصِّل الرِّزق، وهي ببيت أهلِها تنتظِر عوْدتي، رغْم مُحاولات الإصلاح لم تقتنِع زوْجتي إلاَّ برأيِها، وتصِرُّ بشكلٍ عجيب، مع أنَّنا قدَّمنا المستحيلات لَها ولَم ترض، أصرَّت على الخُلْع، وأجْبرتْنِي بطريقةٍ يَعْلمها الله بأن أخْلعها عن عِصْمتي، حيثُ إنَّها منعتْنِي بأمرٍ من المحْكمة بعدَم السَّفر لبلاد تَحصيلِ الرِّزْق إلاَّ بعد الطَّلاق.

فما حكم طلاقي لها وأنا مُكْره على ذلك؟

ثمَّ إنَّها الآن تتزوَّج من ذاتِ الشَّخص الَّذي كانت تُحبُّه وهي على ذمَّتي؛ أي: إنَّ السَّبب أصْبح جليًّا، حيثُ إنَّ الشَّخص المذْكور لَم يُغادِر بلادَ الاغتِراب إلاَّ بعد عامَين من طلاقِنا، وتوجَّه للزَّواج منها، وأهلُها لا يعْلمون من هو هذا الشَّخص، كما ذكرتُ سابقًا بالقصَّة.

فما حُكْم الشَّرع بطالبةِ الطَّلاق للتَّزوُّج من شخصٍ آخر؟

ثمَّ أفيدونا - جزاكم الله خيرًا - بشأن ابنتِي وحُكْم الشَّرع بمصيرها، أليْس لي الحقُّ بِحضانتِها بعد أن تزوَّجت أمُّها من شخصٍ آخر؟

أنا لستُ متزوِّجًا، وأمِّي توفِّيت من زمن.

القانون بِبلدي يُجيز للجدَّة أن تربِّي الأطْفال بِحال تزوَّجت الأمُّ؛ ولكنِّي أسأل عن حُكْمِ الشَّرع بِهذا أيضًا، فما حُكْم الشَّرع بإكْراه الزَّوج على الخَلع؟

ما حُكْم الشَّرع بالطَّلقة بنيَّة الزَّواج من شخصٍ آخر؟

ما حُكْم الشَّرع بِمصير الأطفال إن تزوَّجتْ أمُّهم؟

شاكرًا لكُم جهودَكم.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فاحْمَد الله الكريم الَّذي منَّ عليْك بالخلاص من تلك المرْأة السيِّئة، ولا تأسَفْ عليْها بعد رغبتِها في غيرِك؛ وإقامتها علاقة محرَّمة مع رجل وهي على ذمتك، فلا خير لك في بقائِها تحتك، ولتنْسَ أمْرَها، فالظَّاهر أنَّها امرأة غير مأَمونة على عِرْضك ولا على نفسِها.

والدين الإسلامي إنَّما شرع الزَّواج لِحِكَم عظيمة، وأهْداف نبيلة؛ منْها: بناء أُسْرة مُسْلِمة، يسودُها الودُّ والرَّحْمة، ويسكن الرجل لامرأةٍ تُحبُّه، وينشأ الأبناء في محضن مناسب، والمرأةُ التي تتعلَّق بغير زوجِها، ثمَّ تتخلص منْه لتختلي بصاحبِها - ليستْ أهلاً لذلك.

أمَّا طلاق المُكْرَه، فقد سبق بيان حُكْمِه في فتوى: "حكم من طلق امرأته غصبًا".

أمَّا طلب المرأةِ الطَّلاق بغير سببٍ، فحرامٌ، ولا يحقُّ للمرأة ذلك إلاَّ إذا كانت تتضرَّر بالبقاء مع زوجها تضرُّرًا شديدًا؛ فقد أخرج أحمد وأصْحاب السُّنَن عنْ ثوْبان: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: «أيُّما امرأةٍ سألتْ زَوْجَها الطَّلاق من غير ما بأسٍ، فحرام عليْها رائحة الجنَّة»، وروى ابنُ ماجه من حديث ابن عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «لا تسأل المرْأَةُ زوْجَها الطَّلاق في غير كنهه فتجِد ريح الجنَّة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أرْبعين عامًا»، وقال: «المختلعات هنَّ المنافقات»؛ رواه الترمذي.

وليس تعلُّق المرأة بشخصٍ غيرِ زوْجِها - عياذًا بالله - يُخبِّبُها ويُفْسِدها على زوجِها عذرًا يُبيح طلب الطلاق، وقد قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «ليس منَّا من خبَّب امرأةً على زوجِها»؛ رواه أحْمد وأبو داود.

أمَّا إذا طلبتِ المرأةُ الخُلْع ورفضَ الزَّوج، فإنَّ للزَّوجة أن ترفع أمْرَها إلى المحاكِم الشَّرعيَّة، أو القضاء في بلَدِها، والقاضي يَحكُم بيْنَهُما بما يراه مناسبًا ممَّا يوافق شَرْع الله، من إلْزامها البقاءَ معه، أو الحكم عليْه بمفارقتِه لها، بعوضٍ أو بدونِه.

أمَّا لو كانت تِلْك المرأة طلَّقت نفْسَها عن طريق القوانين الوضعيَّة، المخالِفة للشَّريعة، فإن كان ذلك لسببٍ يُبيح لها طلب الطلاق - كما لو كرِهَت الزَّوج ولَم تستطِع البقاء معه - فلا بأس أن تُخالِعه، أمَّا إن كان لغير سببٍ، فلا يَجوز، وحكم المحْكمة بالطَّلاق أو الخلع في هذه الحال لا يعتدُّ به شرعًا؛ بل تبقى المرأة زوْجة لزوجها الأول.

وقد سُئِل شيْخ الإسْلام ابن تيميَّة - رحِمه الله - عن امرأةٍ مُبْغِضة لزوجِها، طلبت الانخلاع منْه وقالتْ له: إن لَم تُفارِقْني وإلاَّ قتلتُ نفسي، فأكرهَه الولي على الفرْقة، وتزوَّجتْ غيرَه، وقد طلَبَها الأوَّل، وقال: إنَّه فارقها مُكْرَهًا وهي لا تُريد إلاَّ الثَّاني؟

فأجاب: إن كان الزَّوج الأوَّل أُكْرِه على الفرقة بِحقٍّ؛ مثل أن يكون مقصِّرًا في واجباتِها، أو مضرًّا لها بغَيْرِ حقٍّ، من قولٍ أو فعلٍ - كانت الفرْقة صحيحةً، والنِّكاح الثَّاني صحيحًا، وهي زوجة الثَّاني.

وإن كان أُكْرِه بالضَّرب أو الحبْس، وهو مُحسنٌ لِعِشْرتِها حتَّى فارقها - لَم تقع الفرقة؛ بل إذا أبغضَتْه وهو مُحسِن إليها، فإنه يُطلَب منه الفرقة من غير أن يُلزم بذلك، فإن فعل وإلاَّ أُمِرَت المرأة بالصَّبر عليْه، إذا لم يَكُنْ ما يبيح الفسخ".

أمَّا حضانة الأوْلاد، فقد أجْمع أهلُ العِلم على أنَّ حقَّ الزَّوجة مقدَّم على الزَّوج، وأنَّها تستحقُّ الحضانة ولو كانت ناشِزًا، إذا تَوَفَّرَتْ فيها شروط الحضانة، وإذا لم تتوفَّرْ فيها شروطُ الحضانة، فلا تستحقُّها، ولو كانت غيرَ ناشِزٍ، وشروط الحضانة ستَّة، وهي:
أوَّلاً: العقل.
ثانيًا: الإسلام.
ثالثًا: العِفَّة والأمانة، والمراد بذلك: ألاَّ يكون الحاضن أو الحاضنة ذا فِسْق.
رابعًا: الإقامة، وذلك بأن يكون صاحب الحق في الحضانة مُقيمًا في بلد الطِّفل.
خامسًا: الخُلُوُّ من زَوْجٍ أجنبي، فإذا تزوَّجتِ الأمُّ سقط حقُّها في الحضانة، وإن لم يدخل بها الزَّوج بعدُ؛ لِمَا رواه أبو داود: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «أنْتِ أَحَقُّ بِه مَا لَمْ تُنْكَحِي».
سادسًا: الخُلُوُّ من الأمراض الدَّائمة والعادات المؤثِّرة، فلو كانت الأمُّ تُعاني مرضًا عُضَالاً؛ كالسُّل، والفالِج، أو كانت عمْياء، أو صَمَّاء - لم يكن لها حَقٌّ في حضانة الطفل؛ لأنَّ لها من شأنِها ما يشغلها عن القيام بحق الطفل.

فإذا فُقد شرطٌ من هذه الشروط السِّتَّة، فلا حقَّ لها، وتنتقِل إلى أم الأمِّ عند جُمهور العُلماء، من المذاهب الأربعة وغيرِهم، فلا يحقُّ لأبي الطِّفل أن يُنَازِعَ فيه ما دَامت جَدَّة الطِّفْل لأمِّه سالِمة، مُتَوَفِّرَة فيها مُؤهلات الحضانة، فإن كانت غير موجودة، أو لا تُريد الطِّفْل وما شابه، انتقلت الحضانة للأب،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 32
  • 7
  • 463,801

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً