دعاء الأم على زوجة الابن الجافية

منذ 2015-01-29
السؤال:

أمي تدعو دائمًا على زوْجة ابنِها؛ لأنَّها تعامله بقسوة وجفاء، وهو يعامِلُها بِما يُرْضِي الله، هل دعاء أمِّي عليْها لا يَجوز؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد أمرَنا الشَّارع الحكيم بِحُسن المعاشرة بيْن الزَّوجيْن، وجعل لكُلٍّ من الزَّوجين حقوقًا على الآخَر وعليه واجبات، وأمر كلاًّ منهُما أن يُحافِظ على حقِّ صاحبِه؛ حتَّى تصل الحياة الزَّوجيَّة بيْنهما إلى أوْج الكمال، وتؤتي ثِمارها الطيِّبة، ويتحقَّق الغرض الأسمى الذي من أجلِه شرعَ الله الزَّواج، وهو السَّكن والمودَّة، والتَّراحُم بين الزَّوجين.

ولا شكَّ أنَّ ما أقدَمَتْ عليْه زوْجة الابن، من معاملةٍ قاسيةٍ وجافَّة تِجاه زوجِها - مُخالف لِهذا المقصود، ولما جعل الله للزَّوج من حقوقٍ عظيمة على الزَّوجة، فالزَّوج سيِّدها في كتاب الله، وهي عانيةٌ عنده بسنَّة رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وعلى العاني – أي: الأسير - والعبْدِ الخدمةُ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.

ولأنَّ ذلك هو المعروف؛ قال تعال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 34 - 35]، فبيَّن - سبحانه - صفاتِ النِّساء الصَّالحات الطَّائعات، ثم بيَّن كيفية التعامل مع المقصِّرات منهنَّ في الطَّاعة.

والزَّوجة سكَنٌ لزوجِها، ولا يتحقَّق ذلك إلاَّ بأن تؤدِّي الزَّوجة وظيفتَها الفِطْريَّة في توْفير البيت الدَّافئ المستقرِّ، وهذا هو معنى السَّكَن؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].

هذا؛ وقد وردت في السنة المطهرة أحاديث كثيرة تتصدع منها قلوب المؤمنات الصادقات، تحث على طاعة الزوج، وترهب من عصيانه وترفع من جنابه، منها ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي عَن أبي هُرَيْرةَ عَن النَّبِيِّ - صلَّى اللَّهُ علَيْه وسلَّم - قالَ: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أحدًا أنْ يَسْجُدَ لأحَدٍ، لأمَرْتُ المَرْأةَ أنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِها».

وللفائدة؛ نرجو مراجعة فتوى:  "الحياة الزوجية السعيدة".

ونصيحتُنا لكلِّ زوجةٍ مسلمة: أن تُطيعَ زوْجَها في غير معصية الله تعالى، وأن تتودَّد إليه، وتكون مثالاً لقولِه - صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّم - في بيان أفضل النِّساء: «هي الَّتي تسرُّه إذا نظر، وتطيعُه إذا أمر، ولا تُخالفه فيما يكره في نفسِها وماله»؛ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

وأمَّا دعاء أمِّ الزَّوج على زوجة ولدها الجافية، فالظَّاهر أنَّه لا يجوز، إن لم يكن لها مظلمة عند زوجة ابنِها؛ ويخشى أن يكون من التَّعدِّي في الدُّعاء والظلم؛ وقد قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -:
«لا يَزالُ يُستجاب للعَبْدِ ما لم يَدْعُ بِإثْمٍ أو قَطيعةِ رَحِمٍ؛ ما لم يَسْتَعْجِل»؛ رواه مسلم والترمذي عن أبي هُريرة.

وروى أحمدُ وأبو داود وابْنُ ماجه عن عبدالله بن المُغَفَّل قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول:
«إنَّه سيكون في هذه الأُمَّة قوم يعْتَدُون في الطُّهور والدُّعاء».

إلاَّ أن يُقال: إنَّ الأم تتأذَّى بأذيَّة ولدِها؛ ولكن لو دَعَتِ الله لها بالهِداية، لكان أبرَّ وأقوم، وأحسن لابنِها الصَّابر على قسْوة وجفاء زوجتِه، ولعلَّه يُسيئُه استجابةُ الدُّعاء على زوجتِه.

ثم إن كان لها مظلمة فتدعو بقدْر مظلمتها، وإن كان الأفْضل هو العفْوَ والمسامحة؛ لقوْل الله - تعالى -: {
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} [البقرة: 109]، ولقول الله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43]، ولتسألِ الله لها الهداية،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 5
  • 2
  • 93,145

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً