سلم الإمام ساهيا وقام المسبوق ليتم ثم عاد الإمام لإتمام ما عليه من الصلاة
أنا رجل دخلت مع الإمام في الركعة الثانية، ثم بعد أن صلى ثلاث ركعات سلم الإمام فقمت لأكمل ما تبقى لي وقام الإمام بعد ذلك بصلاة ركعة ولم يسجد للسهو فعندما كلمناه قال أنا حنفي والأحناف عندهم تبطل الصلاة إذا نسيت وسلمت، وأنا أكملت ما تبقى لي ثم سجدت للسهو فما الحكم؟ أفيدونا مأجورين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإذا سلم الإمام ناسيا فلا تبطل صلاته بمجرد هذا السلام، وعليه إذا تذكر أو ذكره المصلون أن يقوم ويتم صلاته ويسجد للسهو إذا لم يطل الفصل، فإن طال الفصل بطلت الصلاة عليه وعلى من لم يكمل صلاته من المأمومين.
وأما إذا سها الإمام وسجد قبل السلام فإن على المأموم المسبوق أن يسجد معه ثم يقوم ويتم ما فاته ثم يسجد للسهو أيضا، وإن لم يسجد إمامه له فإنه يسجد وحده بعد إتمام صلاته.
وإذا سلم الإمام ساهيا وقام المسبوق ليتم ما عليه ثم عاد الإمام إلى إتمام ما عليه من الصلاة، أو كان عليه سجود سهو فسلم ثم تذكره فسجد فيلزم المأموم أن يعود فيسجد معه لأنه يعتبر عائدا إلى الصلاة، لكن للمأموم في الحالتين أن ينوي المفارقة ويستمر في إتمام صلاته وقد صرح بذلك جماعة من أهل العلم.
قال ابن حجر رحمه الله في التحفة في شرح المنهاج للنووي: وإن عنَّ له أن يسجد تبينا أنه لم يخرج من الصلاة وصار عائدا إلى الصلاة في الأصح أي بان أنه لم يخرج منها لاستحالة حقيقة الخروج منها ثم العود إليها وأن سلامه وقع لغوا لعذره بكونه لم يأت به إلا لنسيانه ما عليه من السهو فيعيده وجوبا، وتبطل صلاته بنحو حدث... وإذا عاد الإمام لزم المأموم العود وإلا بطلت صلاته ما لم يعلم خطأه فيه فيما يظهر أخذا مما مر، أو يتعمد السلام لعزمه على عدم فعل السجود له أو يتخلف ليسجد سواء أسجد قبل عود إمامه أم لا لقطعه القدوة بتعمده وبتخلفه لسجوده فيفعله منفردا، وفارق هذا ما لو قام مسبوق بعد سلامه فإنه بعوده يلزمه العود لمتابعته ; لأن قيامه واجب عليه فلم يتضمن قطع القدوة وتخلفه هنا ليسجد مخير فيه. فإذا اختاره كان اختياره له متضمنا لقطعها.
والمعنى أنه متى سلم الإمام سهوا ثم عاد إلى الصلاة ولو لسجود السهو لزم المأموم متابعته أو نية المفارقة وإلا بطلت صلاته، ونية المفارقة تحصل باختيار المأموم إتمام صلاته وحده مع علمه بعود الإمام إليها، فإن اختار البقاء مع الإمام واستمر في إتمام صلاته دون متابعته له بطلت صلاته.
وأئمة الحنفية يرون أن الإمام إذا سلم ساهيا لا تبطل صلاته بمجرد هذا السلام بل عليه أن يتم صلاته ويسجد للسهو وجوبا بعد السلام ويجوز قبله، وإذا سلم بعده فإنه يتشهد ثم يسلم. قال العلامة منلا خسروا في درر الحكام: يفسدها السلام عمدا، قيد بالعمد لأن السلام سهوا غير مفسد; لأنه من الأذكار ففي غير العمد يجعل ذكرا، وفي العمد كلاما.
وإذا سلم سهوا وطال الفصل سقط سجود السهو، ففي الفتاوى الهندية: وهو واجب...والوجوب مقيد بما إذا كان الوقت صالحا حتى إن من عليه السهو في صلاة الصبح إذا لم يسجد حتى طلعت الشمس بعد السلام الأول سقط عنه السجود، وكذا إذا سها في قضاء الفائتة فلم يسجد حتى احمرت، وكل ما يمنع البناء إذا وجد بعد السلام يسقط السهو، كذا في البحر الرائق.
وعليه؛ فقد كان على الإمام أن يسجد للسهو بعد إتمام صلاته.
هذا هو ما نعلمه من مذهب الحنفية في هذه المسألة، وما حكيته عن الإمام فيه تضارب إلا أن تكون سقطت كلمة لا قبل كلمة تبطل عند حكايتك قول الإمام المذكور: الأحناف عندهم تبطل الصلاة إذا نسيت وسلمت، لو كان قوله كما ذكرت عنه للزمه أن يعيد الصلاة من أولها لا أن يأتي بركعة فقط.
وعلى كل حال فإن كان الإمام قد عاد إلى الصلاة ونويت إتمامها منفردا فصحيحة، وأما إذا لم تنو المفارقة فغير صحيحة وعليك إعادتها، لأنه لا يحسب ما أتيت به مع عدم المتابعة أو نية المفارقة. قال الشيخ سليمان الجمل في فتوحات الوهاب: ولَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ عَوْدِ الْمَسْبُوقِ لَمْ يَسْقُطْ وُجُوبُ عَوْدِهِ لِلْجُلُوسِ.
وقال أيضا: فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قَامَ إمَامُهُ لَمْ يَعُدْ وَلَمْ تُحْسَبْ قِرَاءَتُهُ، كَمَسْبُوقٍ سَمِعَ صَوْتًا ظَنَّهُ سَلَامَ إمَامِهِ فَقَامَ وَأَتَى بِمَا فَاتَهُ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَمْ يُحْسَبْ مَا أَتَى بِهِ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ. اهـ. وهذا كله يؤيد إعادة الصلاة عند عدم متابعة الإمام مع عدم نية المفارقة.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: