التورق بصورته الجديدة

منذ 2015-03-19
السؤال:

حصلت على عقْد عمل بالمملكة العربيَّة السعوديَّة للعمل محاسبًا في مكتب عقارات؛ ولكن مع أوَّل يومٍ باشرتُ فيه عملي بالمكتَب فوجِئْتُ بأنَّ النَّشاط الرَّئيس للمكتب هو البيع بالتَّقسيط، وأنَّ العقارات نشاط فرْعي بالمكتب كما سأبيِّن:

فهذا المكتب هو أحد مكاتب التَّقسيط التي انتشرت في الآونة الأخيرة بالمملكة العربية السعوديَّة، ونشاطُها الرَّئيس هو بيْع سلع بالتقسيط؛ مثل: بطاقات شحْن الهواتف الجوَّالة، أو غيْرها من السِّلَع الأُخْرى، بِأَعلى من قيمتِها الأصليَّة، مُقابِل تقسيط المبلغ على عدَّة شهور، وتتمُّ عمليَّة البيع بِكتابة عقْد بين البائع والمشتري، على أن يقوم المكتب بتحْصيل هذه الأقْساط من المشتري لصالِح الشَّخص البائع.

وترتَّب على ذلك اجتِماع مجموعة من الأشخاص في مكتب واحد، كلٌّ برأس ماله - ليسوا شركاء - يُدايِنون العملاء بِهذه السِّلَع، فيبيع أحدهم السِّلْعة للمشتري بِالتَّقسيط بسعر، ويشتريها الآخر داخل نفس المكتب من العميل نقدًا بسعر أقل منه، فيخرج العميل وقد اشترى مالاً بمال أكبر منه، على أن يسدِّده على أقْساط شهريَّة متَّفق عليْها في العَقْد.

وظنِّي أنَّ حجَّة هؤلاء المجتَمِعين على هذا العمل: هو جواز البَيْع بالتَّقسيط.

تنويه: البائع والمشتري لا يقصِدان إلاَّ المال، فالمشتري يأْتِي إلى المكتب، وهو لا يريد شراء سلعة بالتَّقسيط؛ ولكن يريد اقتِراض مبلغٍ من المال، وأكبر دليلٍ على ذلك أنَّ بعض النَّاس يأْتِي إلى المكتَب، وهو لا يعرف السِّلْعة الَّتي يبيعُها المكتب بالتَّقسيط، فيشتري السِّلْعة بالتَّقسيط من شخصٍ بالمكتب، وحينئذٍ المكتب يُخيِّره: إمَّا أن يَبيعَها نقْدًا لشخْصٍ آخَر بنفْس المكتب، ويحصل على المال الَّذي يريده، أو يأخذها ويبيعها في أيِّ مكان آخَر، ويَحصل أيضًا على المال الَّذي يريده.

س: ما حُكْم هذا العمل؟

س: ما حكم عملي أنَا كمُحاسب بِهذا المكتَب؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن كان الحال كما ذكرْتَ: أنَّ العميل يشتري السِّلعة من شخصٍ بالتَّقسيط بـ 10 مثلاً، ثُمَّ يبيعُها بعد أن يَحوزها لشخصٍ آخَر بـ 8، وكل من البائِع والمشتري ليسا شريكَين، ولا متواطِئين - فلا بأْس بهذا، وهذه المسألة هي ما يعرف في الفقه بِمسألة (التَّورُّق)، ومعناها: أنَّ المشتري قَصْدُهُ الحصول على الوَرِق (النَّقْد)، وليس قصْده الحصولَ على السِّلعة، وإنَّما يشتريها للانتِفاع بالمال وحسب، والصَّحيح عند جمهور الفقهاء أنَّ التورُّق جائزٌ مطلقًا؛ لعدم وجود ما يدلُّ على المنْع.

ولكن لو تواطأ رجلان أو أكثر ممن يعمل في المكتب على شراء كل منهم سلعة الآخر، ثم تعود السلعة وتبقى دائرة بين أفراد هذه المجموعة، أو كان كل من البائع والمشتري متفقين أو شريكين، بطلَ البيعان؛ لأنَّها حيلة، والمحرمات لا تبيحها الحيل.


كما أن من القواعد المهمَّة في مثل عملكم: "حيازة السلعة" فلأجل تمام البيع على الوجه المشروع؛ لابد أن يتملك المشتري السلعة تملكًا صحيحًا، ويحوزها بنقلها من مكانها إلى حيث يستقر ملكه عليها ويكون قادرًا على التصرف فيها.

وقد روى أحمد وأبو داود عنِ ابْنِ عُمَر قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «إذا تبايعْتم بالعينة، واتَّبعتم أذناب البقَر، وتركتُم الجهاد في سبيل الله - أرْسل الله عليْكم ذلاًّ لا يرْفَعُه عنكم حتَّى تراجعوا دينكم».

قال في "الرَّوْض المُرْبِع": "ومَنِ احتاج إلى نَقْدٍ، فاشترى ما يساوي مائةً بأكثر؛ ليتوسَّع بثمنه - فلا بأس، وتسمَّى مسألة (التَّوَرُّق)، وذكره في "الإنصاف" وقال: هو المذهب، وعليْه الأصحاب".

وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيميَّة إلى كراهة التورق حيث قال: "ولو كان مقْصود المشتري الدِّرهم، وابتاع السِّلْعة إلى أجل؛ ليبيعَها ويأخذ ثَمنها، فهذا يسمَّى: "التورُّق"، ففي كراهته عن أحمد روايتان، والكراهة قول عمر بن عبدالعزيز، ومالك فيما أظن، بخلاف المشتري الَّذي غرضه التِّجارة، أو غرضه الانتِفاع أو القنية؛ فهذا يجوز شراؤُه إلى أجل بالاتِّفاق".

فإن وجدت في عملك خلافًا لما تقدم فاترك العمل؛ لأنه لا يجوز لك أن تعين على الإثم،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 1
  • 1
  • 25,468

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً