لا شر أقبح من ترك الصلاة والتهاون بها
أرجو إفادتي فيما يؤرقني ويؤثر في حياتي، لي صديق حميم لي، دائم الخلاف معي حول أمور الدين أنه يريد أن يشككني في كثير مما أنا مقتنع به وأنا في حيرة من أمري، نتوقف الآن مع الصلاة هل من يعلم أن الصلاة عماد الدين ولا يؤديها هو تاركها تكاسلا، أم عمداً، فأنا اعتقد أن من يقول إن شاء الله سوف أصلي غدا أو من أول الأسبوع القادم، أو الأغرب من ذلك من يقول أنها ليست مهمة ورأي أخر يقول أنه طالما لا أوذي أحداً وأعمل الخير فسيغفر لي ربي عدم صلاتي، هل كل هذه الآراء والأجوبة تعتبر تكاسلاً أم عمداً لكن صاحبها يريد الخروج من الإحراج الذي يسببه له السائل، ودائماً يستشهد بمناظرة الإمامين الشافعي وابن حنبل ويقول يوجد فارق بين تارك الصلاة عمداً أي جحوداً أي قوله لن أصلي ويعتبر من يتحجج بالحجج السابقة ليس بتارك للصلاة ولن يدخل من باب سقر أستحلفك بالله أن تجيبني لأن هذا الأمر قد يدمر فكري كله لأنه يتهمني دائماً بالتشدد، وأن الدين ليس فيه كل هذا التشدد.
والله أعلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإنا ننبهك على ما يلي: أولاً: ينبغي لك الابتعاد عن صحبة من وصفت حاله وقطع المحاورة معه بعد نصحه وعدم ظهور فائدة ذلك، فقد يترتب على صحبته ما لا تحمد عقباه، بل عليك بصحبة الصالحين الذين يدلون على الخير، وتستفيد ما ينفعك في دينك من مجالستهم وصحبتهم فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم خطورة مجالسة أصحاب الشر والفساد حيث قال: مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما أن تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحاً خبيثة.متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
ثانياً: الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يسأل عنه العبد من أعمال، وتارك الصلاة جاحداً لوجوبها كافر بإجماع أهل العلم، وتاركها تعمداً كسلاً كافر عند بعض أهل العلم كالحنابلة، وعند المالكية والشافعية إذا خرج وقت الصلاة ولم يصل يقتل بعد الاستتابة.
وعند الحنفية يحبس حتى يصلي أو يموت.
ثالثاً: مناظرة الإمام أحمد والشافعي إن صحت لا حجة فيها على إباحة ترك الصلاة لاتفاق الإمامين على أن تارك الصلاة جاحداً لوجوبها كافر، وتاركها كسلا كافر عند الإمام أحمد،وعند الإمام الشافعي يقتل إذا خرج وقت الصلاة ولم يؤدها.
رابعاً: من قال أن الصلاة ليست مهمة فإن كان ذلك بقصد الاستهزاء والسخرية فهذا كفر مخرج من الملة والعياذ بالله تعالى.
وإن كان التلفظ بتلك العبارة نسياناً أو خطأ فعلى المتكلم المذكور المبادرة إلى التوبة إلى الله تعالى والاستغفار.
خامساً: الصلاة هي رأس كل خير وبركة وتاركها لا يجوز وصفه بأنه يعمل الخير فلا شر أقبح من تركها والتهاون بها.
سادساً: من يؤمل الفوز بمغفرة الله تعالى مع إقامته على أقبح المعاصي قد استحوذ الشيطان عليه وصار يمنيه الأماني الكاذبة فإن المراتب العلية عند الله تعالى إنما تنال باتخاذ أسبابها من الاجتهاد في العمل الصالح الذي يرضى الله تعالى، فقد قال الله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72]، وقال الله تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا}[النساء:123].
سابعاً: ترك الصلاة من الأسباب المؤدية إلى الشقاوة والعياذ بالله تعالى، فقد قال الله تعالى حكاية عن أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر].
ثامناً: وردت كلمة الدين يسر في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحداً إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب، إلى أن قال: وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل. انتهى.
وعليه فمعنى هذه العبارة ليس التحلل من فعل فرائض الله تعالى أو التهاون بها، وإنما المقصود النهي عما يؤدي إلى الملل والانقطاع أو ترك الأفضل.
تاسعاً: الاتهام بالتشدد صار الآن من العبارات الشائعة التي تطلق على من تمسك بدين الله تعالى ولم يجار أهل المنكر على ما هم عليه من منكر أو إعراض عن شرع الله تعالى والإعراض عنه فلا ينبغي الأصغاء لمثل هذه العبارات.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: