ما هو التوحيد؟
ما هو التوحيد؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالتَّوحيد هو دين الله، الَّذي بعث به جميعَ الرسُل، وأنزل به جَميع الكتُب، وهو أصْل الإسلام، وعمود الدِّين، ورأْس الأمر، ونِهاية كلِّ سالك، ومن أجْلِه خلق الله الخلق، وجعل الجنَّة والنَّار، وهو إخْلاص الله بالعبادة والدُّعاء، والتوكُّل عليه والالتِجاء، فيعبد الله ولا يشرك به شيئًا؛ قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163]، وقال تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: 73].
والتَّوحيد قوْل وعمل، القول مثل ما ورد في سورة الإخلاص: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الصمد: 1]، والتَّوحيد العملي ما ورد في: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]، مع إثبات صفات الكمال لله، وتنزيهه عن أضدادها.
وتوحيد الألوهيَّة أو توحيد العبادة: وهو عبادته وحْدَه لا شريك له، فلا يُجعل معه إلهٌ غيره، وهو حق الله على العباد؛ كما في حديث معاذ عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: « » قال: قلت: الله ورسوله أعْلم، قال: « » قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: « »؛ متفق عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاستقامة": "وتوحيد الإلهية: وهو أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا، فهذا التَّوحيد الذي جاءت به الرُّسُل، هو يَسْعد صاحبُه، ويَدْخل الجنَّة، لا محالةَ له من دعوة مجابة، ومَن فاته هذا التَّوحيد، فإنَّ الله لا يغفر أن يشرك به، فلا ينفعه الدُّعاء".
وقال: "فالعمل الصَّالح لا بدَّ أن يراد به وجه الله تعالى؛ فإن الله - تعالى - لا يقبل من العمل إلاَّ ما أريد به وجهه وحده؛ كما في الحديث الصَّحيح عن أبي هُرَيْرة عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: « »، وهو كلُّه للَّذي أشرك، وهذا هو التَّوحيد الذي هو أصل الإسلام، وهو دِين الله الَّذي بعث به جَميع رسُلِه، وله خلق الخلق، وهو حقّه على عباده: أن يعبدوه ولا يشْرِكوا به شيئًا، ولا بدَّ مع ذلك أن يكون العمل صالحًا، وهو ما أمر الله به ورسوله، وهو الطاعة؛ فكلُّ طاعةٍ عملٌ صالح، وكلُّ عمل صالح طاعة، وهو العمل المشْروع المسْنون". اهـ. مختصرًا.
أمَّا توحيد الربوبيَّة، الَّذي هو توحيد الخالق والصَّانع، والَّذي أقرَّ به الخلْق، وقرَّره أهل الكلام - فلا يكْفي وحْدَه ليكون الإنسان موحِّدًا، حتَّى يأتي بتوحيد الإلهية.
وقال ابن القيم في "الصواعق المرسلة": "وأما توحيد الرسل، فهو إثبات صفات الكمال له - سبحانه - وإثبات كوْنِه فاعلاً بمشيئته وقدرته واختياره، وأنَّ له فعلاً حقيقة، وأنَّه وحْدَه الَّذي يستحقُّ أن يُعْبَد، ويُخاف ويُرْجَى، ويُتَوكَّل عليْه؛ فهو المستحقُّ لغاية الحب بغاية الذُّل، وليس لخلقه من دونه وكيلٌ ولا ولي ولا شفيع، ولا واسطة بيْنه وبينهم في رفع حوائِجِهم إليْه، وفي تفْريج كرباتهم وإغاثة لهفاتِهم، وإجابة دعواتِهم، وبيْنه وبيْنهم واسطة في تبليغ أمْره ونَهيه وخبره إليهم، فلا يعرفون ما يحبُّه ويرضاه، ويُبْغِضه ويَسْخطه، ولا حقائق أسمائِه، وتفصيل ما يجب له، ويَمتنع عليه، ويوصف به، إلاَّ من جهة هذه الواسطة، فجاء هؤلاء الملاحِدة، فعكسوا الأمر، وقلبوا الحقائق، فنفَوا كوْن الرُّسلِ وسائطَ في ذلك، وقالوا: تُلقِّيَ بواسطة العقل، ونفَوا حقائق أسمائه وصفاته، وقالوا هذا التوحيد.
فهذا توحيدهم وهذا إيمانُهم بالرُّسل، ويقولون: نحن ننزِّهه عن الأعراض والأغراض، والأبعاض والحدود والجهات، وحلول الحوادث، فيسمع الغِرُّ المخدوع هذه الألفاظ، فيتوهَّم منها أنَّهم ينزِّهون الله عمَّا يُفْهَم من معانيها عند الإطلاق، من العيوب والنَّقائص والحاجة، فلا يشكُّ أنَّهم يمجِّدونه ويعظِّمونه، ويكشف النَّاقد البصير ما تَحت هذه الألْفاظ، فيرى تحتَها الإلْحاد وتكْذيب الرُّسل وتعطيل الرَّبِّ - تعالى - عمَّا يستحقُّه من كماله، فتنزيهُه عن الأعراض هو جحد صفاتِه؛ كسمعه وبصرِه، وحياته وعلمه، وكلامه وإرادته؛ فإنَّ هذه أعراض لا تقوم إلاَّ بِجسم، فلو كان متَّصفًا بها، لكان جسمًا، وكانت أعراضًا له، وهو منزَّه عن الأعراض، وأمَّا الأغراض، فهي الغاية والحكمة التي لأجلِها يفعل ويخلق، ويأمر وينهى، ويثيب ويعاقب، وهي الغايات المحْمودة المطلوبة له، من أمره ونهيه وفعله، فيسمُّونها عِللاً وأغراضًا، ثم ينزهونه عنها.
وأمَّا الأبعاض، فمُرادهم بتنزيهِه عنْها: أنَّه ليس له وجْه ولا يدان، ولا يمسك السَّموات على أصبع، والأرض على أصبع، والشجر على أصبع، والماء على أصبع، فإنَّ ذلك كله أبعاض، والله منزَّه عن الأبعاض.
وأمَّا الحدود والجهات، فمُرادهم بتنزيهِه عنْها: أنَّه ليس فوق السَّماوات رب، ولا على العرش إله، ولا يشار إليه بالأصابِع إلى فوق كما أشار إليْه أعلمُ الخلق به، ولا ينزل منه شيء، ولا يصعَدُ إليه شيء، ولا تعرج الملائكة والرُّوح إليه، ولا رُفِع المسيح إليه، ولا عُرِج برسوله محمد إليْه؛ إذ لو كان ذلك للزِم إثبات الحدود والجهات له، وهو منزَّه عن ذلك.
وأمَّا حلول الحوادث، فيريدون به أنَّه لا يتكلَّم بقدرته ومشيئتِه، ولا ينزل كلَّ ليلة إلى سماء الدنيا، ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء، ولا يغضب بعد أن كان راضيًا، ولا يرضى بعد أن كان غضبانَ، ولا يقوم به فِعْلٌ البتَّة، ولا أمر مجدَّد بعد أن لم يكن، ولا يريد شيئًا بعد أن لم يكن مريدًا له". اهـ. مختصرًا.
وننصح السَّائل الكريم بِمراجعة كتب "الإيمان" و "العبودية" لشيخ الإسلام، و "مُختصر الصواعق" لابن القيم، و "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" للشَّيخ عبدالرحمن بن حسن،،
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: