حكم المنِيّ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي: هل المَنِيُّ طاهرٌ أو لا؟ وفي حالة الاحتلام: هل يجب بعدَها غَسْل الثَّوب الذي وَقَع عليه المنِيُّ قبل الصلاة، أو يَكْفي الاغتسال فقط؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسَّلام على رسولِ الله، وعلى آله وصَحْبه ومَن والاه، أمَّا بعد:
فقدِ اختلف العلماءُ في طهارة المنيِّ؛ فذَهب الحنفيَّةُ والمالكيَّة إلى نجاسته، وذَهَب الشَّافعيَّةُ والحنابلةُ إلى أنَّه طاهر، وهو الراجح؛ لحديث عائشةَ أمِّ المؤمنين - رضي الله عنها -: "أنَّها أرسلتْ إلى ضيْف لها تدعوه، فقالوا: هو يغسِل جنابةً في ثوبه، قالت: ولَم يغسله؟! لقد كنتُ أفْرُكه مِن ثَوْب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ متفق عليه.
وفي ورايةٍ عندَ أبي داود: "كنت أفرُك المنيَّ مِن ثوب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيصلِّي فيه".
فدلَّ فرْكُ عائشة - رضي الله عنها - للمنيِّ من ثوْب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على طهارته، ومعلومٌ أنَّ النجاسة لا يُطَهَّر المكانُ الذي أصابتْه بفَرْكها منه.
ورَوَى البيهقيُّ عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - موقوفًا: أنَّه قال في المنيِّ يصيب الثوب، قال: " أمِطْه عنْك بعُود أو إذْخرة فإنَّما هو بمنزلة البُصاق والمخاط"؛ قال الألباني: وهذا سندٌ صحيح على شرْط الشيخين، وقد أخرجه البيهقيُّ من طريق الشافعي، ثم قال: "هذا صحيحٌ عن ابن عباس مِن قوله، وقد رُوي مرفوعًا، ولا يصحُّ رفعُه".
قال النووي في "المجموع": "وأمَّا حُكم المسألة، فمَنيُّ الآدمي طاهِرٌ عندنا، هذا هو الصواب المنصوص للشافعي - رحمه الله - في كتبه، وبه قَطَع جماهيرُ الأصحاب، وحَكَى صاحبُ "البيان" وبعضُ الخراسانيِّين في نجاسته قولَيْن، ومنهم مَن قال: القولان في منىِّ المرأة فقط، والصواب الجَزْم بطهارة منيِّه ومنيِّها... وإذا حكَمْنا بطهارة المني، استُحبَّ غَسلُه من البدن والثوب". اهـ.
قال الشيخ العثيمين - رحمه الله -: "ولنا في تقرير طهارته ثلاثُ طُرُق:
1- أنَّ الأصْل في الأشياء الطَّهارة، فَمَن ادَّعَى نجاسةَ شيء، فَعَلَيْه الدَّليل.
2- أن عائشةَ - رضي الله عنها - كانت تَفرُك اليابسَ مِن مَنِيِّ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتَغْسِل الرَّطبَ منه، ولو كان نَجِسًا ما اكتفتْ فيه بالفَرْكِ؛ فقد قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في دَمِ الحيض يُصيب الثَّوب، قال: « »، فلا بُدَّ من الغَسْل بعدَ الحتِّ، ولو كان المنيُّ نَجِسًا كان لا بدَّ مِن غَسْله، ولم يُجْزِئ فَرْكُ يابِسِه كدَمِ الحَيْض.
3- أنَّ هذا الماء أصلُ عِبَاد الله المخلصين مِن النَّبيِّين والصِّدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين، وتأبَى حِكمةُ الله - تعالى - أن يكون أصلُ هؤلاء البَررة نَجِسًا". اهـ.
وعليه؛ فالصحيح: أنَّ المنيَّ طاهر، وأما الثِّياب التي أصابها المنيُّ، فيستحبُّ غسلُها إنْ كان رطبًا، وإنْ كان يابسًا، أجزأ فيه الفرْك، ولا يضرُّ ما بقِي من آثار بعد الفرْك،،
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: