حكم حلق شعر الرأس للرجل في غير حج أو عمرة

منذ 2016-05-06
السؤال:

ما حكم حلْق شعر الرأس بالموسى، أو التقصير القريب من الحلْق باستخدام الماكينة، إذا كان الرجلُ مقيمًا وليس في نُسُك، على وجه الاعتياد لا على وجْه التنسُّك أو التشبُّه، مع العلم أن من الناس مَن يفْعل ذلك كل أُسْبُوعين، ومنهم من يفعله كل شهر أو أكثر من ذلك، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آلِه وصَحْبه ومَنْ والاه، أما بعدُ:

فقد اختلف العلماءُ في حلْق شَعْر الرأس كله بالموسى في غير النُّسُك، أو تقصيره قريبًا من الحلْق، فذهب الحنفيَّة إلى أن السُّنَّة في شعر الرأس بالنسبة للرجل: إما الفرق أو الحلق، وذكر الطحاوي منهم أن الحلق سُنَّة.

وذهب المالكيَّة كما في "الفواكه الدواني" إلى أنَّ حلْق شعر الرأس بدْعة غير مُحرمة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لَم يحلقْ رأسه إلا في التحلُّل منَ الحج، وقال القرطبي: كره مالك حلْق الرأس لغير المتَحَلل منَ الإحرام، وصرَّح ابن العربي منهم أن الشعر على الرأس زينة، وحلقه بِدْعة، ويجوز أن يتخذَ جمّة، وهي ما أحاط بمنابت الشعر، ووفرة وهو ما زاد على ذلك إلى شحْمة الأذنين، وأن يكونَ أطول من ذلك.

وذهب الشافعيةُ إلى أنه لا بأس بحلْق الرأس لمن أراد التنْظيف.

وعن أحمد روايتان: رواية بالكراهة، واستدل بحديث "الصحيحَيْن": أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال في الخوارج: «سيماهم التحليق»، وروي عنه عدم الكراهة، وترْكه أفضل.

وقد بيَّن الإمام ابن القيِّم - رحمه الله – أحوال الحلق والترْك في كتابه: "أحكام أهل الذمة"؛ فقال: "لَم يكن هديُه حلق رأسه في غير نسك، بل لم يحفظْ عنه أنه حلق رأسه إلا في حج أو عمرة، وحلق الرأس أربعة أقسام: شرْعي، وشركي، وبدعي، ورخصة.

فالشرعي: الحلق في الحج والعمرة.

والشركي: حلْق الرأس للشيوخ، فإنهم يحلقون رؤوس المريدين للشيخ، ويقولون: احلق رأسك للشيخ فلان، وهذا مِنْ جنْس السجود له؛ فإن حلْق الرأس عبودية مذلّة.

وأمَّا الحلْق البِدْعي: فهو كحلق كثيرٍ من المطوعة والفقراء، يجعلونه شرطًا في الفقر، وزيًّا يتمَيَّزون به عن أهل الشعور من الجند والفقهاء والقضاة وغيرهم، وقد صحَّ عن النبي في الخوارج أنه قال: «سيماهم التحليق»، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لصبيغ بن عسل وقد سأله عن مسائل، فأمر بكشف رأسه، وقال: لو رأيتك محلوقًا لأخذت الذي فيه عيناك، حتى أن تكون من الخوارج.

وأما حلْق الحاجة والرخصة: فهو كالحلق لوجعٍ، أو قمل، أو أذى في رأسه مِن بثور ونحوها؛ فهذا لا بأس به". اهـ. مختصرًا.

وقال شيخ الإسلام في "الاستقامة": "... مِنْ لوازم طريقتِهم إلى الله، أو جعلوه شِعار الصالحين وأولياء الله، ويكون ذلك خطأ وضلالاً، وابتداع دين لَم يأذن به الله؛ مثال ذلك: حلق الرأس في غير الحج والعمرة لغير عذر، فإنَّ الله قد ذكر في كتابه حلق الرأس وتقصيره في النسك، وذكر حلْقه لعذر في قوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُك} [البقرة: 196].

وأمَّا حلْقه لغَيْر ذلك، فقد تنازَع العلماء في إباحته وكراهته نزاعًا معروفًا على قولَيْن؛ هما روايتان عن أحمد، ولا نزاع بين علماء المسلمين وأئمة الدين أن ذلك لا يشرع ولا يستحب، ولا هو من سبيل الله وطريقه، ولا منَ الزُّهد المشروع للمسلمين، ولا مما أثْنَى الله به على أحد من الفقراء.

ومع هذا؛ فقد اتخذه طوائف من النُّسَّاك الفقراء والصوفية دينًا، حتى جعلوه شعارًا وعلامة على أهل الدِّين والنُّسُك، والخير والتَّوبة، والسلوك إلى الله، المشير إلى الفقر والصوفيَّة، حتى إن مَن لم يفعل ذلك يكون منقوصًا عندهم، خارجًا عن الطريقة المفَضلة المحمودة عندهم، ومن فعل ذلك، دخل في هدْيهم وطَريقِهم، وهذا ضلال عن طريق الله وسبيله باتِّفاق المسلمين، واتخاذ ذلك دينًا وشعارًا لأهل الدين من أسباب تبْديل الدين، بل جعله علامة على المروق من الدين أقرب؛ فإن الذي يكرهه - وإن فعله صاحبه عادة لا عبادة - يحتج بأنه من سيماء الخوارج المارقين، الذين جاءت الأحاديث الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذَمِّهِمْ مِنْ غَيْر وجْه، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم -: «سيماهم التحليق»، فإذا كان هذا سيماء أولئك المارقين، وفي "المسند", و"السنن" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم»، كان هذا على بعده مِن شعار أهل الدين أولى مِن العكس.

وعليه؛ فحلق شعر الرأس في غير الحج والعمرة على سبيل الزهد والعبادة، أو علامة على رفض زينة الدنيا، أو اتخاذ ذلك شعارًا يُعرف - لا يجوز؛ لأن ذلك شعار أهل البدَع من الخوارج والصوفية وغيرهما، أما فعل هذا للتنظيف أو عادة، فجائز، وإن كان البعد عنه أفضل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين وأتباعهم لم يروَ عن واحد منهم أنهم اتَّسَمُوا بذلك، ولا حلقوا رؤوسهم في غير إحلال، وكان - صلى الله عليه وسلم - له شعر، فتارة فرقه، وتارة صيره جمة، وأخرى لمّة،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 43
  • 9
  • 283,681

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً