ما حكم النقود الإلكترونية؟
عندنا في روسيا يوجد جهاز مسمى "terminal" (ترمنال)، عبارة عن تحويل النقود الحسية المادية إلي النقود الإلكترونية؛ بمعني أني أضع فيه مائة دولار حقيقية فهذا الجهاز يجعل نقودي مائة دولار إلكترونية، فالظاهر ما فيه إشكال، لكن الإشكال مخفي في أن هذه الوظيفة لها قيمة، مثلاً لكي أستلم منه مائة دولار إلكترونية لا بد أن أقدم مائة وخمسة دولار حقيقة. فلماذا؟ لأن خمسة لوظيفته وإمكانه أن يحوّل نقودي من المادية إلي إلكترونية، والكلمة إلكترونية أعني النقود في الهاتف المحمول أو علي بطاقة الإئتمان ونحو ذلك.
فهل هذا من باب الربا ؟
الحمد لله
أولاً :
النقود الإلكترونية: هي نقود رقمية لعملة محددة، تصدر في صورة بيانات الكترونية مخزنة على كارت ذكي أو قرص صلب، بحيث يستطيع صاحبها نقل ملكيتها إلى من يشاء دون الحاجة إلى امتلاك حساب بنكي، وبدأ استعمالها كبديل عن العملات النقدية الورقية في بعض الدول.
وقد عرَّفها البنك المركزي الأوروبي بأنها: "مخزون إلكتروني لقيمة نقدية على وسيلة تقنية يُستخدم للقيام بمدفوعات لمتعهدين غير من أصدرها، دون الحاجة إلى وجود حساب بنكي عند إجراء الصفقة، وتستخدم كأداة محمولة مدفوعة مقدماً". انتهى من "الآثار النقدية والاقتصادية والمالية للنقود الإلكترونية" (1/133).
فالنقود الإلكترونية تختلف عن النقود الورقية بأنها قيمة نقدية مخزنة إلكترونياً، فهي عبارة عن بيانات مشفرة يتم وضعها على وسائل إلكترونية في شكل بطاقات بلاستيكية أو على ذاكرة الكمبيوتر الشخصي.
والجديد الذي تتميز به هذه النقود الالكترونية عن بطاقات الائتمان وغيرها: أن من يستخدمها لا يحتاج إلى وجود حساب بنكي. والمخزون في هذه البطاقات هو "وحدات نقدية لها قيمة مالية" يتم استخدامها في الشراء عبر الإنترنت أو في نقاط البيع والمتاجر التقليدية .
وهي بهذا نختلف عن البطاقات الأخرى كبطاقات الاتصال والانترنت ونحوها التي يكون مخزونها وحدات اتصال أو رصيد وليس نقودا مالية يستطيع من خلالها شراء السلع والخدمات .
وقد بدأ الإقبال في كثير من الدول على التعامل بهذه النقود بسبب: قلة تكلفتها، وسهولة استعمالها، وسرعتها حيث يتم الدفع فوراً دون الحاجة إلى أي وسائط أخرى .
ثانياً:
بما أن المخزون على هذه البطاقات يمثل وحدات نقدية، لكن بطريقة الكترونية، وقد حازت القبول العام وحصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، فهي نقد في حكم النقود الورقية وبديل عنها، فتجب الزكاة فيها، ويجري فيها الربا .
وقد نص الإمام مالك رحمه الله على أن أي شيء يرتضيه الناس ويجعلونه "العملة" التي يتعاملون بها فإنه يجري فيه الربا، ويأخذ حكم الذهب والفضة، فقال رحمه الله: "وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَجَازُوا بَيْنَهُمْ الْجُلُودَ حَتَّى تَكُونَ لَهَا سِكَّةٌ وَعَيْنٌ [أي تكون هي العملة التي يتعاملون بها]؛ لَكَرِهْتُهَا أَنْ تُبَاعَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ [أي: الفضة] نَظِرَةً [أي: مؤجلة]" انتهى من " المدونة" (3/5) .
فأعطى الجلود حكم النقود إذا جرى تعامل الناس بها .
فالنقود الإلكترونية هي نقود عادية متطورة، وهي وإن كانت لا تتشابه معها في الشكل، فإنها تتفق معها في المضمون. وهذه النقود الإلكترونية تأخذ حكم العملة التي تم تخزينها بها، فإن كانت دولاراً فلها حكم الدولارات، وإن كانت ريالاً فلهم حكم الريالات، وهكذا .
ثالثاً :
في حال تحويل نقود حسية إلى نقود إلكترونية من الجنس نفسه، كتحويل دولارات إلى وحدات الكترونية بالدولار، فيشترط في هذه الحال التماثل بين النقدين، فلا يجوز تحويل (200) دولاراً نقدي إلى (100) دولاراً إلكتروني، لأنهما مالان من جنس واحد فيشترط تماثلها في القدر عند المبادلة.
قال الدكتور يوسف الشبيلي: "تأخذ البطاقة حكم النقود المخزنة فيها ، فلا يجوز بيعها بعملة من جنسها إلا مع التقابض والتماثل، ويجوز بيعها بغير جنسها بشرط القبض، سواء كان هذا البيع بين المصدر والمستفيد أو بين المستفيد وطرف ثالث". انتهى من "الخدمات الاستثمارية في المصارف" (2/556) .
وأما دفع مبلغ ثابت كرسوم تحويل النقود العادية إلى النقود الإلكترونية، فلا حرج فيه ؛ لأن هذه أجرة مقابل خدمة مباحة.
والذي يبدو فيما سألت عنه أن هذه الـ ( خمس دولارات ) هي أجرة مقابل تحويل الجهاز هذا النقد إلى نقد إلكتروني، ولذلك لا حرج في هذه العملية.
ولمزيد الفائدة تنظر الكتب التالية :
- " الآثار النقدية والاقتصادية والمالية للنقود الإلكترونية " للدكتور محمد إبراهيم الشافي .
- " التجارة الإلكترونية وأحكامها في الفقه الإسلامي" للدكتور سلطان الهاشمي (ص 418- 429).
- " النقود الإلكترونية ( ماهيتها، مخاطرها وتنظيمها القانوني )" للدكتور عايض المري .
- " النظام القانوني للنقود الإلكترونية " بحث في مجلة جامعة بابل للعلوم الإنسانية ( العدد 2 ، 2014) .
والله أعلم .
- التصنيف:
- المصدر: