حكم دفع مال لموظف لا يضر المنشأة
نحن مجموعة شباب نريد استئجار مكان داخل مستشفى -مثلًا لبيع المشروبات-. ولكن لتأجير المكان قد يستلزم دفع مبلغ لمدير قسم التعاقدات حتى يتم اختيارنا أو عمل مزايدة وهمية أو فعلية، حيث إن أغلب الأماكن تدار هكذا.
السلام عليكم،
نحن مجموعة شباب نريد استئجار مكان داخل مستشفى -مثلًا لبيع المشروبات-. ولكن لتأجير المكان قد يستلزم دفع مبلغ لمدير قسم التعاقدات حتى يتم اختيارنا أو عمل مزايدة وهمية أو فعلية، حيث إن أغلب الأماكن تدار هكذا.
هل في هذا حرج، علمًا بان لا ضرر سيقع على الجهة؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فَلا يخفى على أحد حكم الرشوة، إنها من كبائر الذنوب، وقد ورد ذمها والتحذير منها في نصوص كثيرة، في والسنة، قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الراشي والمرتشي»؛ رواه الترمذي.
وهي من أسواء الأشياء على المجتمع، فهي وسيلة للكذب والغش والخداع والمحسوبية، وتعطيل المصالح، وإفساد الأخلاق والذمم.
غير أنه يجب التنبه للفرق بين دفع المال لأخذ ما لا يحق، وبين دفعه للحصول على شيء مشروع، فإن كان الدفع لحرمان الغير من فرصة العمل والاستحواذ عليها، فهي رشوة محرمة، وأما إن كانت تلك الفرصة لا تعطى أصلاً إلا لمن يدفع، والشباب في حاجة للعمل، فيجوز في تلك الحال الدفع، وتختصّ الحرمة بالمرتشي، لأن الرِّشْوةَ هِي ما أُعْطِيَ لإحْقاقِ باطِلٍ، أَوْ إِبْطالِ حَقٍّ، أَمّا ما أُعْطِيَ لإحْقاقِ حَقٍّ أَو إِبْطالِ باطِلٍ فَليسَ بِرِشْوةٍ بِالنْسَبةِ للدّافِعِ، وإِنْ كانَ رِشْوةً بِالنَّسبَةِ لِلآخِذِ.
قال في "عَوْنِ المعْبُودِ": ".... وقالَ فِي "مَجْمَع البِحار": ومَنْ يُعْطِي تَوصُّلاً إِلى أَخْذ حَقٍّ أَوْ دَفْعِ ظُلْمٍ فَغيرُ داخِلٍ فِيهِ، رُوِيَ أَنَّ ابْن مَسْعُود، أُخِذَ بِأَرْضِ الحَبَشَة فِي شَيء فَأَعْطَى دِينارَينِ حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ، ورُوِيَ عَنْ جَماعَة مِن أَئِمَّة التّابِعِينَ قالُوا: لا بَأْس أَنْ يُصانِع عَنْ نَفْسه وماله إِذا خافَ الظُّلْم" انْتَهَى.
وقالَ شيخُ الإِسلامِ ابنُ تيميةَ - رحِمه الله -: "فَأَمّا إذا أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً لِيَكُفَّ ظُلْمَهُ عَنْهُ أَوْ لِيُعْطِيَهُ حَقَّهُ الواجِبَ، كانَتْ هَذِهِ الهَدِيَّةُ حَرامًا عَلَى الآخِذِ، وجازَ لِلدّافِعِ أَنْ يَدْفَعَها إلَيهِ، كَما كانَ النَّبِيُّ يَقُولُ: «إنِّي لأُعْطِي أَحَدَهُم العَطِيَّةَ فَيَخْرُجُ بِها يَتَأَبَّطُها نارًا» قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، فَلِمَ تُعْطِيهِمْ؟ قالَ: «يَأْبَوْن إلاَّ أَنْ يَسْأَلُونِي ويَأْبَى اللَّهُ لِي البُخْلَ».
ومِثْلُ ذَلِكَ: إعْطاءُ مَنْ أعْتقَ وكَتَمَ عِتْقَهُ، أَوْ أَسَرَّ خَبَرًا، أَوْ كانَ ظالِمًا لِلنّاسِ فَإِعْطاءُ هَؤُلاءِ جائِزٌ لِلْمُعْطِي، حَرامٌ عَلَيهِمْ أَخْذُهُ". اهـ من "الفتاوى الكبرى".
وقالَ ابْنُ حزْمٍ - رحمه الله- في "المحلى": "ولا تحَلُّ الرِّشْوةُ؛ وهِي ما أَعْطاهُ المرءُ لِيُحْكَمَ لهُ بِباطِلٍ, أَوٍ لِيُولَّى وِلايةً, أَوْ لِيظْلمَ لهُ إِنْسانٌ، فهذا يَأْثَمُ المْعُطِي والآخِذُ، فأمّا مَن مُنِعَ مِن حَقِّهِ فَأَعْطَى لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الظُّلمَ، فَذَلِكَ مُباحٌ لِلْمُعْطِي, وأَمّا الآخِذُ فَآثِمٌ" انتهى.
وعليه؛ فإن كان السائل لن يتمكنَّ مِنَ الحصولِ على الوظيفةِ إلاَّ بتلكَ الطريق، وكان العمل مُباحًا، ولَنْ يَتَرَتَّبَ عَلى دَفْعِ المالَ التَّعدِي عَلى حُقُوقِ أَحَدٍ، أَوْ حِرمان مَن هُو أَوْلَى بِها- فَلا بَأْسَ أَنْ تُعْطِيَ مالاً إِذا لمَ تُمَكَّنْ مِنْها إِلاَّ بِذَلِكَ،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: