قبول الهدية مقابل عمل تطوعي
السلام عليكم ورحمة الله أنا وزميل لي نقوم بتدريس اللغة العربية لأبناء مجموعة من زملائنا من طلبة الدكتوراه فى الجامعة فى كوريا الجنوبية. معظمهم من باكستان والغرض من تدريسهم اللغة العربية هو تيسير قراءة وفهم القرآن الكريم التدريس عمل تطوعي لوجه الله تعالى ويتم التدريس فى مصلى الجامعة. قام الزملاء على سبيل الشكر على المجهود بدعوتنا للغذاء. اعتذرت عن قبول الدعوة وذلك لقناعتى أن العمل التطوعي لوجه الله لا يجب أن يتم الشكر عليه ولا يجب قبول الهدايا وقد استندت فى ذلك على الحديث التالي: ما رواه أبو داود (3416) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ ، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا ، فَقُلْتُ : لَيْسَتْ بِمَالٍ ، وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلأَسْأَلَنَّهُ ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَالَ : إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا ). وصححه الألباني في صحيح أبي داود . زميلي رأى انه لا يوجد مشكلة في قبول الدعوة وأن رفض الدعوة قد يسبب احراج لهم ولكني أصررت على عدم قبول الدعوة المشكلة أن احد الطالبات وعمرها 6 سنوات كانت قد أتت وفي يدها وردة وقامت بتقديمها لي لم استطع رفض الوردة من الطفلة خوفا من أن تظن اننى لا اقبل هديتها وقد يؤذي ذلك مشاعرها خاصة أنها لم تكن من الطلبة المتفوقين السؤال : هل قبول الوردة وفقا لما ورد بالحديث المذكور أعلاه خطأ ولا يجوز؟ وإن كان لا يجوز ما كفارة ذلك ؟ هل عدم قبول دعوة الغذاء كان به مبالغة أم أنه وفقا للحديث المذكور أعلاه لا يجوز قبول الدعوة؟ وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فالحديث الذي ذكره الأخ السائل يحتج به من يرى حرمة أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وهم الحنفية، واحتجوا أيضًا بأن الإخلاص شرط، وأخذ الأجرة دليل على أنه غير مخلص، وأن تبليغ للأحكام الشرعية واجب على كل فرد من الأفراد قبل قيام غيره به.
ولكن هذا الحديث قد عارضه نصوص كثيرة في الصحيحين أو أحدهما تدل على إباحة أخذ العوض مقابل تعليم القرآن، وهو مذهب الشافعية والمالكية والظاهرية وهو رواية عن أحمد؛ ففي الصحيحن عن سهل بن سعد، قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني قد وهبت لك من نفسي، فقال رجل: زوجنيها، قال: (قد زوجناكها بما معك من القرآن)، وفي رواية للبخاري (ماذا معك من القرآن). قال: معي سورة كذا وسورة كذا، عددها، فقال: «تقرؤهن عن ظهر قلبك» قال: نعم، قال: (اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن)، والحديث ظاهر الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل تعليم الرجل للمرأة بعض سور القرآن بدلاً أو عوضًا عن المهر، وهو واجب بالإجماع، أعني المهر، ولا يكون إلا مالاً، ومن ثم كان الحديث صريحًا في أن تعليم القرآن قام مقام المال!
وروى البخاري عن ابن عباس ضي الله عنهما: أن نفرًا مِن أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرُّوا بماء فيهم لديغ أو سليم، فعرَض لهم رجلٌ من أهل الماء، فقال: هل فيكُم مِن راقٍ، إنَّ في الماء رجلًا لديغًا أو سليمًا، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاءٍ فبرَأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه فكَرهوا ذلك، وقالوا: أخذتَ على كتاب الله أجرًا؟! حتى قَدِموا المدينة فقالوا: يا رسول الله، أخَذَ على كتاب الله أجرًا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله)، وقول النبي يدل على عموم أخذ العوض على القرآن، سواء كانت القراءة للتعليم أو للتداوي، إذ لا فرق بينهما، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
قال الإمام البغوي في شرح السنة للبغوي (8/ 268): "في الحديث دليل على جواز أخذ الأجرة على تعليم القُرآن، وجواز شَرطه، وإليه ذهب عطاء والحكَم، وبه قال مالك، والشافعي، وأبو ثور، قال الحكم: ما سمعتُ فقيهًا يَكرهه". اهـ
وقال الإمام النووي في كتابه "التبيان في آداب حملة القرآن" (ص: 58):
"وأجاب المجوزون عن حديث عبادة بجوابين:
1 - أحدهما أن في إسناده مقالاً
2 - والثاني أنه كان تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئًا، ثم أهدي إليه على سبيل العوض، فلم يجز له الأخذ بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم".
هذا؛ وقد توسط شيخ الإسلام فلم يجز بإطلاق ولم يمنع بإطلاق، فقال في "مجموع الفتاوى" (24/ 315-316)
"وقيل: لا يجوز لأن هذه الأعمال يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة، فإنها إنما تصح من المسلم دون الكافر فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى. وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه لا ما فعل لأجل عروض الدنيا.
وقيل: لا يجوز لأن هذه الأعمال يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة فإنها إنما تصح من المسلم دون الكافر فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى. وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه لا ما فعل لأجل عروض الدنيا.
وقيل يجوز أخذ الأجرة عليها للفقير دون الغني، وهو القول الثالث في مذهب أحمد كما أذن الله لولي اليتيم أن يأكل مع الفقر ويستغني مع الغنى، وهذا القول أقوى من غيره على هذا، فإذا فعلها الفقير لله وإنما أخذ الأجرة لحاجته إلى ذلك، وليستعين بذلك على طاعة الله- فالله يأجره على نيته فيكون قد أكل طيبًا وعمل صالحا".اهـ.
إذا تقرر هذا علم أن المأخذ الصحيح في الجمع بين الأدلة السابقة، هو العمل بما تقتضي المصلحة الشرعية، والذي يظهر أن قبول هدية بسيطة لا ينافي الإخلاص، كما أن مراعاة خواطر المسلمين من المصالح التي يجب أن تأخذ في الاعتبار، فإن كان سيترتب على عدم قبول الدعوة ضرر مثل عدم تفهم الناس لذلك- فلا ريب أن الحضور أولى، وكذلك قبول الهدية، ومن تحرج من هذا فليس ثم شيء أهون من الورع، ما حاك في صدرك فاتركه، فيمكن قبوله للمصلحة ثم التصدق بثمنها،، والله أعلم.
- المصدر: