كيف أوفق بين دراسة الطب وذكر الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد، انا فتاة انهيت الثانوية العامة والحمدلله كانت فترة مليئة بالضغوطات وانا مقبلة للدراسة بالجامعة خارج البلاد بعد ثلاثة اشهر بإذن الله، اشعر بالقلق نحو المستقبل الدراسي لأنني سوف ادرس الطب والكثير من حولي حاول احباطي بأن الطب صعب ويحتاج لدراسة مكثفة طول اليوم ولا يوجد وقت فراغ وستدخلين بحالات نفسية وحتى بعد انهاء الست سنوات ليس مضمونا ان تتوظفي وسوف تذهب شهادتكِ سدًى، فالآن هو أن خوفي وقلقي بصراحة ليس من هذا كله خوفي الوحيد ان تُنسيني الدراسة ذكر الله والانشغال بها عنه سبحانه لأنني في مرحلة الثانوية العامة اثناء الدراسة كنت ادخل بحالات نفسية وكنت من شدة الدراسة انسى ذكر الله واحيانا كنت اصلي بسرعة حتى اتمكّن من الدراسة بسرعة فبعد سماعي بأن الطب يحتاج للكثير من الدراسة اشعر بالقلق الشديد بخصوص هذا الامر خايفة أنه أبعّد عن ربنا من الدراسة . فسؤالي هو كيف أُفرّق بين الدراسة وذكر الله كما انني نويت ان ابدأ بحفظ القرآن الكريم وقلقة جدا من هذا الامر لأنه خايفة بأن الدراسة لن تتيح وقت لي لحفظ القرآن ايضًا . فافيدوني رحمكم الله وجزاكم كل خير.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
شكر الله لك رغبتك في الاستِقامة وحرصك على التوفيق بين الدراسة وذكر الله تعالى، ولا شك أن هذه مطلَبُ كلِّ مسلِم صادِق يُرِيد اللهَ واليومَ الآخِر ويخشى الله تعالى، وبالقصد الحسن وصدق التوجه، وبذل الوسع يمن الله تعالى بصلاح القلب والحال؛ قال الله الله - تعالى -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
سؤال الله - تعالى - العونَ على طاعته؛ فيحصل الخير ويدفع الشر، ولذلك كان دعاء فاتحة الكتاب أنفَع الدعاء وأعظمه وأحكمه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6 - 7]، فإنَّه إذا هَداه هذا الصراط أَعانَه على طاعته وترْك معصيته، فلم يُصِبْه شرٌّ لا في الدنيا ولا في الآخرة، والذنوب من لوازم النفس، وهو محتاج إلى الهدى كلَّ لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب؛ ولهذا أمَر به في كلِّ صلاة لفرط الحاجة إليه، وإنما يعرف بعض قدره مَن اعتبر أحوال نفسه؛ قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى".
وكل ما يلزمك للتوفيق بين الدراسة والاستقامة أمور أذكر لك بعضًا منها:
منها: تنظيم وقتك، والحذر من ضياع شيء منه فيما لا يعود عليك بالنفع في دينك أو دنياك، فالمغبون من أضاع عمره فيما لا يعود عليه بالنفع، كما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)؛ رواه البخاري.
فحسن إدارة الوقت وتقسيمه على الوظائف المختلفة أمر شرعي أرشدنا له رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه)، رواه البخاري وفي رواية (فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا ، وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لزورك عليك حقًا).
منها: الاستعانة بالله تعالى وعدم العجز عن العمل، ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، أحرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجِز).
منها: الابتِعاد عن المعاصي والذنوب جملةً، المحافظة على واجبات الشريعة، لا سيَّما الصلاة في أوقاتها، وعدم التفريط في شيءٍ منها، مع الالتِزام بسائر أحكام الشرع؛ فالله - سبحانه - يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66].
يقول العلامة السعدي في "تفسيره" (185):
"أخبر أنهم لو فعلوا ما يُوعَظون به؛ أي: ما وظف عليهم في كلِّ وقت بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفَّروا نفوسهم للقِيام به وتكميله، ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا إليه ولم يكونوا بصدده، وهذا هو الذي ينبَغِي للعبد أن ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكملها، ثم يتدرَّج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى ما قُدِّر له من العلم والعمل في أمر الدين والدنيا.
ثم رتَّب ما يحصل لهم على فعل ما يُوعَظون به، وهو أربعة أمور:
(أحدها) الخيرية في قوله: {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66]؛ أي: لكانوا من الأخيار المتَّصِفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أُمِروا بها؛ أي: وانتَفَى عنهم بذلك صفة الأشرار؛ لأن ثبوت الشيء يستلزم نفي ضدِّه.
(الثاني) حصول التثبيت والثبات وزيادته، فإنَّ الله يثبِّت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان الذي هو القيام بما وُعِظوا به، فيثبِّتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفِتَن في الأوامر والنواهي والمصائب، فيحصل لهم ثباتٌ؛ يُوفَّقون لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها، وعند حلول المصائب التي يكرَهها العبد فيُوفَّق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرضا أو للشكر، فينزل عليه معونةٌ من الله للقِيام بذلك، ويحصل له الثبات على الدين، عند الموت وفي القبر.
وأيضًا فإنَّ العبد القائم بما أُمِرَ به لا يَزال يتمرَّن على الأوامر الشرعيَّة حتى يألَفَها ويَشتاق إليها وإلى أمثالها، فيكون ذلك معونةً له على الثبات على الطاعات.
(الثالث) قوله: {وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 67]؛ أي: في العاجل والآجل الذي يكون للرُّوح والقلب والبدن، ومن النعيم المُقِيم ممَّا لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطَر على قلب بشر.
(الرابع) الهداية إلى صِراط مستقيم، وهذا عمومٌ بعد خصوص؛ لشرف الهداية إلى الصراط المستقيم، من كونها متضمِّنة للعلم بالحق ومحبَّته وإيثاره والعمل به، وتوقف السعادة والفلاح على ذلك، فمَن هُدِي إلى صراط مستقيم فقد وُفِّق لكلِّ خير، واندَفَع عنه كلُّ شر وضير". اهـ.
ومنها: اختِيار صحبة صالحة من الفتيات المؤمنات، فهذا ممَّا يشدُّ أزرك في الالتِزام ويُعِينك على التمسُّك بالدين، وعلى قمع نوازع الشر؛ ففي الصحيحين عن أبي موسى - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (مثَل الجليس الصالح والجليس السوء كمَثَل صاحب المسك وكير الحدَّاد، لا يَعدَمك من صاحب المسك إمَّا تشتريه أو تجد ريحَه، وكير الحدَّاد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحًا خبيثة).
ومنها: البعد عن مُصاحَبة الفتياتٍ غير متديِّنات، فإِنْ كان بغرض دعوتهن للالتزام بالشرع، فحسنٌ، مع بذل الجهد في ذلك، ولكن إن كان لمجرَّد قضاء الأوقات فلا؛ لأنهنَّ إن لم تدعيهنَّ للهدى، دعَوْنكِ لترك ما أنتِ عليه، والطِّباع سرَّاقة، والصحبة مؤثِّرة في إصلاح الحال أو إفساده؛ لأنَّ الطِّباع مجبولةٌ على التشبُّه والاقتِداء، بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يَدرِي، ومن ثَمَّ قال - سبحانه -: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]، وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدُكم مَن يُخالِل)؛ رواه أبو داود.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: