بنيت شقة من مالي الخاص وأبي يريد أخذها
فلما علم والدي ببناء هذا البيت يريد أن يخرجني من الشقة التي بنيتها عنوة ودون أي مقابل مدعيا بذلك أنه صاحب الملك ويحق له بيعه أو فعل أي شيء به ومعتمدا على مقولة (أنت ومالك لأبيك) فماذا أفعل؟
بنيت شقة من مالي الخاص بالطابق الثاني لمنزل والدي وبإذن منه وموافقته وذلك بعد أن قام والدي بتطليق أمي وتزوج من أخرى وأنجب منها ، وعشت في هذه الشقة فترة من الزمن وتزوجت فيها ، ثم رزقني الله تعالى بقطعة أرض من مالي الخاص فبنيت عليها بيتا لم يكتمل بنائه نهائيا
فلما علم والدي ببناء هذا البيت يريد أن يخرجني من الشقة التي بنيتها عنوة ودون أي مقابل مدعيا بذلك أنه صاحب الملك ويحق له بيعه أو فعل أي شيء به ومعتمدا على مقولة (أنت ومالك لأبيك) فماذا أفعل؟
وهل ليس لدي الحق في المطالبة بقيمة بناء الشقة ؟ علما بأنني في أمس الحاجة إلى المال لاستكمال بناء بيتي الجديد وهل والدي له الحق في إخراجي من الشقة عنوة بهذا الشكل؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنت ومالك لأبيك»؛ رواه أحمد وأبو داود، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبك»، لا يستقم الاستدلال به على ظلم الأب لابنه؛ لأن الظلم حرمه الله بين عباده ولم يُستثنى والد ولا ولد، هذا الحديث الشريف وما في معناه إنما يستدل به العلماء في مواضع محصورة، منها وجوب نفقة الوالد الفقير على الابن الغني، وعدم القصاص من الوالد لو سرق مال ابنه، وما أشبه ذلك.
أما الصورة الواردة في السؤال فإن كان الواقع كما ذكرت، فلك أن تطلب حقك من والدك بالمعروف، إلا إذا كان محتاجًا لها لفقره، فيحتاج مثلاً لتأجيرها والأكل من غلتها وللإنفاق على نفسه ومن يعول فليس لك مطالبته حينئذ.
والحاصل أن الأب هو سبب وجود الابن، وجوده سبب لوجود المال، فصار له بذلك حق إذا احتاج، فله أن يأخذ منه قدر حاجته، غير أن إباحة مال الولد للوالد لا يبيح له أن يستأصله بلا حاجة.
وقد حمل شيخ الإسلام ابن تيمية الحديث على: التبسط في مال الولد، والتصرف بما هو أصلح، فقال في "مجموع الفتاوى" (32/ 40):
".... وأصل ذلك أن تصرف الولي في بضع وليته كتصرفه في مالها، فكما لا يتصرف في مالها إلا بما هو أصلح، كذلك لا يتصرف في بضعها إلا بما هو أصلح لها؛ إلا أن الأب له من التبسط في مال ولده ما ليس لغيره؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «أنت ومالك لأبيك»، بخلاف غير الأب". اهـ.
وذهب أبو محمد بن حزم إلى أنه منسوخ، فقال في المحلى بالآثار (6/ 389)
"وهذا الخبر منسوخ - لا شك فيه - لأن الله عز وجل حكم بميراث الأبوين، والزوج، والزوجة، والبنين، والبنات، من مال الولد إذا مات، وأباح في القرآن لكل مالك أمة وطأها بملك يمينه، وحرمها على من لا يملكها بقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 6، 7]، فدخل في هذا من له والد، ومن لا والد له.
فصح أن مال الولد له بيقين، لا لأبويه، ولا حق لهما فيه إلا ما جاء به النص مما ذكرنا: من الأكل، أو عند الحاجة فقط.
ولو كان مال الولد للوالد لما ورثت زوجة الولد، ولا زوج البنت، ولا أولادهما من ذلك شيئا، لأنه مال لإنسان حي، ولا كان يحل لذي والد أن يطأ جاريته أصلاً، لأنها لأبيه كانت تكون.
فصح بورود هذين الحكمين وبقائهما إلى يوم القيامة ثابتين غير منسوخين: أن ذلك الخبر منسوخ، وكذلك أيضا صح بالنص، والإجماع المتيقن: أن من ملك أمة، أو عبدًا لهما والد فإن ملكهما لمالكهما، لا لأبيهما.
فصح أيضا: أن قوله - عليه السلام -: (إنه لأبيه) منسوخ". اهـ.
هذا؛ وقد قيَّد الشيخ محمد بن إبراهيم في الجواز بشروط فقال فتاواه (9/ 220):
"يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك»، وقوله: «إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم»، ويشترط للأخذ من ماله ستة شروط:
أحدها: أن يأخذ ما لا يضر الولد ولا يحتاجه.
الثاني: ألا يعطيه لولد آخر.
الثالث: ألا يكون في مرض موت أحدهما.
الرابع: ألا يكون الأب كافرًا والابن مسلمًا.
الخامس: أن يكون عينًا موجودة.
السادس: تملكه ما يأخذه من مال الولد بقبض مع قول أو نية.
هذا معنى كلام فقهائنا رحمهم الله، وعليه الفتوى. ومنه يعلم أنه ليس للولد استرجاع ما أخذه الأب بهذه الشروط الستة المذكورة. وأما مع فقدها أو فقد بعضها فللولد استرجاعه؛ لعدم ثبوت ملك الأب عليه، هذا إن كان عينًا موجودة، وإن لم يكن كذلك ثبت المثل في ذمة الأب إن كان مثليًا، والقيمة إن كان متقومًا".
هذا؛ والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: