هل يساعدني الله في اخذ حقي ممن ظلمني

منذ 2018-08-12
السؤال: ظلمت بشكل متكرر من قبل اشخاص كثر لمدة سنة اريد ان اعرف يساعدني على ايقاف ظلمهم و ايقافهم
الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:عنوان الرسالة:
تعلم سلمك الله أن الدنيا ليست بدار جزاء ووفاء، وإنما هي دارُ محنةٍ وبلاءٍ، وأنها لم تُخْلَقْ للدوام والبقاء، بل للزوال والفناء، والآخرةُ دارُ جزاءٍ ثم بقاءٍ، واللهُ - تعالى - خَلَقَنَا ليبتلينا، ويمتحنَنَا، وينظرَ كيف نعمل؛ قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7]، وقال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2]، وقال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35].

وما وَقَعَ عليك من ظُلمٍ سيوفيك الله أجرك على الصبر، وسيكون حساب الظالمين عسيرًا إن لم يتوبوا عن ظلمهم، ولم يخلصه ولم يتركه حتى يستوفي عقابه؛ كما روى البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» قال: ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود: 102].

وأعظم ما تستعين به على هؤلاء الظلمة صدق الضراعة، وكلما احترقت أحشاءك نار الظالم ، يخرج منك الدعاء بالتضرع والانكسار، فيحصل حالة الاضطرار، وذلك أدعى لقبول الدعاء؛ كما قال تعالى:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } [النمل: 62]

 

و قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمعاذ لما بعثه إِلَى الْيَمَنِ:( اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ)، وقال: (ودعوة المظلوم تحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماوات، ويقول الرب عز وجل: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ).

والمعنى لا أضيع حقك ولا أرد دعاءك، ولو مضى زمان طويل؛ لأني حليم لا أعجل عقوبة العباد لعلهم يرجعون عن الظلم والذنوب إلى إرضاء الخصوم والتوبة، فهو تعالى يمهل الظالم ولا يهمله.

فاستعن بالله ولا تعجز وعليك بالصبرُ والرضى بأمر الله تعالى، وأحسنُ الظنِّ به سبحانه، وأن تُبصِرِ الرحمة من خلال البلاء؛ فقد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ)؛ رواه الترمذيُّ وحسنه، وابنُ ماجهْ.

فاصبري على قضاء الله وقدره، فالظالم مهما بلغ ظلمه فهو في قبضة الله، ولن يُفْلِتَ من الله، وهذا كليمُ الله موسى - عليه السلامُ - يَنْهَي عَنِ المُنكَرِ بِيَدِهِ، حِينَ رَجَعَ فَوَجَدَ قَوْمَهُ يَعْكُفون عَلَى عِجْلٍ جَسَدٍ له خُوَار؛ فخاطب الدَّجَّال الذي أضلَّهم - وهو السَّامريُّ - بقوله: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه: 97]؛ وقوله تعالى:{وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا}: أي: يوم القيامة، {لَنْ تُخْلَفَهُ}؛ أي: لا مَحِيدَ لَكَ عنهُ.

وأخيرًا احرص على قراءة القرآن بتدبر وستجد فيه شفاء لما في صدرك؛ قال تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42]... ظاهر الأمر يبدو هكذا لبعض من يرون الظالمين يتمتعون، ويسمع بوعيد الله، ثم لا يراه واقعاً بهم في هذه الحياة الدنيا، فهذه الصيغة تكشف عن الأجل المضروب لأخذهم الأخذة الأخيرة، التي لا إمهال بعدها، ولا فكاك منها!

 أخذهم في اليوم العصيب الذي تشخص فيه الأبصار من الفزع والهلع، فتظل مفتوحة مبهوتة مذهولة، مأخوذة بالهول لا تطرف ولا تتحرك.

ثم يرسم مشهدًا للقوم في زحمة الهول.. مشهدهم مسرعين لا يلوون على شيء، ولا يلتفتون إلى شيء، رافعين رؤوسهم لا عن إرادة ولكنها مشدودة لا يملكون لها حراكاً، يمتد بصرهم إلى ما يشاهدون من الرعب فلا يطرف ولا يرتد إليهم، وقلوبهم من الفزع خاوية خالية لا تضم شيئاً يعونه أو يحفظونه أو يتذكرونه، فهي هواء خواء. قاله في الظلال.

أسأل الله أن ينصرك على من ظلمك، وأن يشفي صدرك، وبذهب غمك وهمك،، آمين.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 25
  • 4
  • 144,154

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً