ما عقوبة من كان قادرًا ولم يحج؟
قادر أن يحج ولم يحج ما العقوبة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن الحجَّ من أركانِ الإسلامِ الخَمْس، وواجبٌ على جَميع المكلَّفين، وفرضُ عينٍ على كلِّ مَن استطاع إليه سبيلاً؛ لقولِه تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]، والصحيح أنَّه فرضٌ على الفَوْرِ في أوَّل أوقات التمكُّن من الأداء، وهو مذهَبُ أكثَرِ العُلماء، وتعضدُه الأدلَّة الصحيحة، فلا يَجوزُ لِلمُستطيع تأخيرُه، ولخبر ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - مرفوعًا قال: (تعجّلوا إلى الحج؛ فإنَّ أحدكم لا يدري ما يعْرِض له)؛ رواه أحمد، وصححه الألباني.
قال ابن قُدامة - رحمه الله - في "المغني": "مَن وَجَب عليه الحج وأمكنه فِعْله، وَجَب عليه على الفور، ولَم يجُزْ له تأخيرُه، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي: يجب الحج وجوباً موسعاً، وله تأخيره... ولنا قول الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِي عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، والأمر على الفور، ورُوِي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيتَعَجَّلْ)؛ رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وفي رواية أحمد وابن ماجه: (فَإِنَّهُ قَدْ يمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ)؛ اهـ.
قال ابن القيم في "الهدي": "لما فُرِضَ الحج سنة تسع أو عشر بادر - صلى الله عليه وسلم - إليه على الفَوْر سنة عشر، وهي حَجَّتُه الوحيدة. ثم قال: فإن قيل: فمِن أين لكم تأخيرُ نزول فَرْضِه إلى التاسعة أو العاشرة؟ قيل: لأن صدر سورة آل عمران نَزَلَ عام الوفود، وفيه قَدِمَ وفدُ نجرانَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصَالَحَهم على أداء الجزية.
والجزية إنما نزلت عامَ تبوك سنة تسع، وفيها نزل صدر سورة آل عمران، ونَاظَر أهل الكتاب، ودعاهم إلى التوحيد والمُبَاهَلَةِ؛ ويدل عليه أن أهل مكة وَجَدُوا في نفوسهم على ما فاتهم من التجارة من المشركين لما أنزل الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]، فأعَاضَهم اللهُ – تعالى - مِن ذلك بالجزية.
ونزول هذه الآيات والمناداة بها إنما كان في سنة تسع، وبَعَثَ الصِّدِّيق يُؤذِّن بذلك في مكة في مواسم الحج، وأَرْدَفَه بعليٍّ - رضي الله عنه - وهذا الذي ذكرناه قد قاله غير واحد من السلف". اهـ.
وعليه؛ فمن كان مستطيعًا ولم يحج فهو آثم للتأخير،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: