حكم الانتفاع بالرهن
السلام عليكم. اود منكم بعض الاشارات في اطار عدم الانتفاع بالرهن لفتوى قرأتها من فضيلتكم. حيث انني كنت قد قرأت سابقا في بعض صفحات من كتب المالكية عبر Word ان الشئ المرهون: مركوب محلوب. افيدونا جزاكم الله خيرا.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فليس فيما قررناه سابقًا من أن المرتهن لا ينتفع بالرهن، وبين ما قرأه السائل الكريم من الانتفاع في مقابلة النفقة تعارض؛ لأن لكل منهما مناطه الخاص، إذ حرمة عدم انتفاع المرتهن بالرهن إن كان لا ينفق عليه، كمن رهن عقارًا وسيارة مقابل قرض، فلو سكن المرتهن في العقار أو ركب السيارة بالرهن لكان القرض جر نفعًا، هو ربا بإجماع العلماء.
أما من رهن بقرة وكان المرتهن هو من يطعمها فله أن ينتفع بلبنها مقابل النفقة، ولو أطعمها الراهن لانتفع هو ولا يحل شيء للمرتهن، وإلا كان ربا أيضًا؛ ولذلك بين النبي - صلى الله عليه وسلم أن النفقة على من ينتفع بالحيوان.
فروى الجماعة إلا مسلمًا والنسائي وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة"، وفي لفظ: "إذا كانت الدابة مرهونة، فعلى المرتهن علفها، ولبن الدر يشرب، وعلى الذي يشرب نفقته"؛ رواه أحمد.
وفي حديث آخر: "إذا ارتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر علفها، فإن استفضل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا"، وفيه دليل على أنه يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بما يحتاج إليه ولو لم يأذن المالك، وبه قال أحمد وإسحاق والليث والحسن وغيرهم وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء: لا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء، بل الفوائد للراهن والمؤن عليه.
قال الإمام ابن القيم في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (2/ 297):
"وردت السنة الثابتة الصحيحة بجواز ركوب المرتهن للدابة المرهونة وشربه لبنها بنفقته عليه...وهذا الحكم من أحسن الأحكام وأعدلها، ولا أصلح للراهن منه، وما عداه ففساده ظاهر؛ فإن الراهن قد يغيب ويتعذر على المرتهن مطالبته بالنفقة التي تحفظ الرهن، ويشق عليه أو يتعذر رفعه إلى الحاكم وإثبات الرهن، وإثبات غيبة الراهن، وإثبات أن قدر نفقته عليه هي قدر حلبه وركوبه، وطلبه منه الحكم له بذلك، وفي هذا من العسر والحرج والمشقة ما ينافي الحنيفية السمحة؛ فشرع الشارع الحكيم القيم بمصالح العباد للمرتهن أن يشرب لبن الرهن، ويركب ظهره وعليه نفقته، وهذا محض القياس لو لم تأت به السنة الصحيحة، وهو يخرج على أصلين؛ أحدهما: أنه إذا أنفق على الرهن صارت النفقة دينا على الراهن؛ لأنه واجب أداه عنه، ويتعسر عليه الإشهاد على ذلك كل وقت واستئذان الحاكم، فجوز له الشارع استيفاء دينه من ظهر الرهن ودره، وهذا مصلحة محضة لهما، وهي بلا شك أولى من تعطيل منفعة ظهره وإراقة لبنه أو تركه يفسد في الحيوان، أو يفسده حيث يتعذر الرفع إلى الحاكم، لا سيما ورهن الشاة ونحوها إنما يقع غالبًا بين أهل البوادي حيث لا حاكم، ولو كان فلم يول الله ولا رسوله الحاكم هذا الأمر".
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: