حكم طلاق الحائض

منذ 2019-03-09
السؤال:

حابه استفسر سؤالي طلقني زوجي وانا حائض ومرت أشهر وقرأت عن ان الذي يطلقها زوجها وهي حائض في الأيام الاخيرة دون تغتسل يقع عليها الطلاق وانا لم اذكر اَي يوم من ايّام الدوره ولَم اذكر هل كان الدم مازال فيني أم لا؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن طلاق الحائض محرَّم وبدعة، بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، فليس بين أهل العلم نزاع في تحريمه، وأنه من الطلاق البِدعيّ المخالف للسنة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (33/ 7):
"وإن طلقها في الحيض أو طلقها بعد أن وطئها وقبل أن يتبين حملها: فهذا الطلاق محرم، ويسمى: "طلاق البدعة"، وهو حرام بالكتاب والسنة والإجماع".

وقال أيضًا وهو يقرر بطلان جمع العبادات والعقود والفكوك المنهي عنها (33/ 24-27):
"... إذ الأصل الذي عليه السلف والفقهاء: أن العبادات والعقود المحرمة إذا فعلت على الوجه المحرم لم تكن لازمة صحيحة، وهذا وإن كان نازع فيه طائفة من أهل الكلام، فالصواب مع السلف وأئمة الفقهاء؛ لأن الصحابة والتابعين لهم بإحسان كانوا يستدلون على فساد العبادات والعقود بتحريم الشارع لها وهذا متواتر عنهم، وأيضًا فإن لم يكن ذلك دليلاً على فسادها لم يكن عن الشارع ما يبين الصحيح من الفاسد... وأيضًا فالشارع يحرم الشيء لما فيه من المفسدة الخالصة أو الراجحة، ومقصوده بالتحريم المنع من ذلك الفساد وجعله معدوما، فلو كان مع التحريم يترتب عليه من الأحكام ما يترتب على الحلال، فيجعله لازمًا نافذًا كالحلال؛ لكان ذلك إلزامًا منه بالفساد الذي قصد عَدَمَه، فيلزم أن يكون ذلك الفساد قد أراد عدمه مع أنه ألزم الناس به! وهذا تناقض ينزه عنه الشارع صلى الله عليه وسلم...... إلى أن قال:

"ذلك أن الشارع بين حكمته في منعه مما نهي عنه وأنه لو أباحه للزم الفسادذلك أن الشارع بين حكمته في منعه مما نهي عنه وأنه لو أباحه للزم الفساد فقوله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } [الطلاق: 1]، وقوله عليه السلام: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها؛ فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم"، ونحو ذلك يبين أن الفعل لو أبيح لحصل به الفساد؛ فَحُرّم منعًا من هذا الفساد.

ثم الفساد ينشأ من إباحته ومن فعله، إذا اعتقد الفاعل أنه مباح أو أنه صحيح، فأما مع اعتقاد أنه محرم باطل والتزام أمر الله ورسوله، فلا تحصل المفسدة، وإنما تحصل المفسدة من مخالفة أمر الله ورسوله.

والمفاسد فيها فتنة وعذاب قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، وقول القائل: لو كان الطلاق غير لازم لم يحصل الفساد. فيقال: هذا هو مقصود الشارع صلى الله عليه وسلم فنهى عنه وحكم ببطلانه ليزول الفساد ولولا ذلك لفعله الناس واعتقدوا صحته فيلزم الفساد...... فتسميته لهذا -أي: لما نهى عنه في البيوع الفاسدة والأنكحة الفاسدة وغيرها- نكاحًا وبيعًا، لم يمنع أن يكون فاسدًا باطلاً، بل دل على إمكانه حسا. وقول القائل: إنه شرعي، إن أراد أنه يسمى بما أسماه به الشارع، فهذا صحيح، وإن أراد أن الله أذن فيه، فهذا خلاف النص والإجماع، وإن أراد أنه رتب عليه حكمه وجعله يحصل المقصود ويلزم الناس حكمه؛ كما في المباح-: فهذا باطل بالإجماع في أكثر الصور التي هي من موارد النزاع، ولا يمكنه أن يدعي ذلك في صورة مجمع عليها؛ فإن أكثر ما يحتج به هؤلاء بنهيه صلى الله عليه وسلم عن الطلاق في الحيض ونحو ذلك مما هو من موارد النزاع، فليس معهم صورة قد ثبت فيها مقصودهم؛ لا بنص ولا إجماع". اهـ. موضع الحجة منه مختصرًا. 

وقال الإمام ابن القيم في كتابه "زاد المعاد" (5/ 203-206) وهو يقرر عدم وقوع الطلاق في الحيض:
"قال المانعون من وقوع الطلاق المحرم: لا يُزال النكاح المتيقن إلا بيقين مثله من كتاب، أو سنة، أو إجماع متيقن، فإذا أوجدتمونا واحدًا من هذه الثلاثة، رفعنا حكم النكاح به، لا سبيل إلى رفعه بغير ذلك.

قالوا: الأدلة المتكاثرة تدل على عدم وقوعه، فإن هذا الطلاق لم يشرعه الله تعالى البتة، ولا أذن فيه، فليس في شرعه، فكيف يقال بنفوذه وصحته؟ .
قالوا: وإنما يقع من الطلاق المحرم ما ملِّكه الله تعالى للمطلق، ولهذا لا يقع به الرابعة؛ لأنه لم يملكها إياه، ومن المعلوم أنه لم يملِّكه الطلاق المحرم، ولا أذن له فيه، فلا يصح، ولا يقع.
قالوا: ولو وكل وكيلا أن يطلق امرأته طلاقًا جائزًا، فطلق طلاقًامحرمًا لم يقع؛ لأنه غير مأذون له فيه، فكيف كان إذن المخلوق معتبرًا في صحة إيقاع الطلاق دون إذن الشارع، ومن المعلوم أن المكلف إنما يتصرف بالإذن، فما لم يأذن به الله ورسوله لا يكون محلا للتصرف البتة.
قالوا: وأيضًا فالشارع قد حجر على الزوج أن يطلق في حال الحيض، أو بعد الوطء في الطهر، فلو صح طلاقه لم يكن لحجر الشارع معنى، وكان حجر القاضي على من منعه التصرف أقوى من حجر الشارع؛ حيث يبطل التصرف بحجره.
قالوا: وبهذا أبطلنا البيع وقت النداء يوم الجمعة؛ لأنه بيع حجر الشارع على بائعه هذا الوقت، فلا يجوز تنفيذه وتصحيحه.
قالوا: ولأنه طلاق محرم منهي عنه، فالنهي يقتضي فساد المنهي عنه، فلو صححناه لكان لا فرق بين المنهي عنه والمأذون فيه من جهة الصحة والفساد.
قالوا: وأيضا فالشارع إنما نهى عنه وحرمه؛ لأنه يبغضه، ولا يحب وقوعه، بل وقوعه مكروه إليه، فحرمه لئلا يقع ما يبغضه ويكرهه، وفي تصحيحه وتنفيذه ضد هذا المقصود.
قالوا: وإذا كان النكاح المنهي عنه لا يصح لأجل النهي، فما الفرق بينه وبين الطلاق، وكيف أبطلتم ما نهى الله عنه من النكاح، وصححتم ما حرمه ونهى عنه من الطلاق، والنهي يقتضي البطلان في الموضعين؟
قالوا: ويكفينا من هذا حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العام الذي لا تخصيص فيه برد ما خالف أمره وإبطاله وإلغائه؛ كما في الصحيح عنه، من حديث عائشة - رضي الله عنها -: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد»، وفي رواية: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، وهذا صريح أن هذا الطلاق المحرم الذي ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم، مردود باطل، فكيف يقال: إنه صحيح لازم نافذ! فأين هذا من الحكم برده؟
قالوا: وأيضَا فإنه طلاق لم يشرعه الله أبدًا، وكان مردودًا باطلاً كطلاق الأجنبية، ولا ينفعكم الفرق بأن الأجنبية ليست محلاً للطلاق بخلاف الزوجة، فإن هذه الزوجة ليست محلاً للطلاق المحرم، ولا هو مما ملكه الشارع إياه.
قالوا: وأيضًا فإن الله سبحانه إنما أمر بالتسريح بإحسان، ولا أشر من التسريح الذي حرمه الله ورسوله، وموجب عقد النكاح أحد أمرين: إما إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، والتسريح المحرم أمر ثالث غيرهما، فلا عبرة به البتة.
قالوا: وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - المبين عن الله مراده من كلامه، أن الطلاق المشروع المأذون فيه هو الطلاق في زمن الطهر الذي لم يجامع فيه، أو بعد استبانة الحمل، وما عداهما فليس بطلاق للعدة في حق المدخول بها، فلا يكون طلاقًا، فكيف تحرم المرأة به؟
قالوا: وقد قال تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } [البقرة: 229]، ومعلوم أنه إنما أراد الطلاق المأذون فيه، وهو الطلاق للعدة، فدل على أن ما عداه ليس من الطلاق، فإنه حصر الطلاق المشروع المأذون فيه الذي يملك به الرجعة في مرتين، فلا يكون ما عداه طلاقًا". اهـ. مختصرًا.

إذا تقرر هذا؛  فالطلاق في الحيض لا يقع ولا يعتد به، وهو الراجح من قولي أهل العلم، ومن أراد الاستزادة فليراجع بقية كلام الآمام ابن القيم في الزاد، وكلام أبي محمد في المحلى،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 0
  • 16,346

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً