حكم تمني رؤية الله تعالى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فإن رؤية الله تعالى في المنام ممكنة وجائزة، فالمؤمن يرى ربه على حسب عمله، واعتقاده في ربه، وقد صحت أحاديث في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه، منها قوله: "رأيت ربي في أحسن صورة"، وهذا لا يلزم منه التشبيه، وإنما معناه أن الله تعالى له صفات حقيقة، غير أنه لا يعلم كيفيتها إلا الله تعالى.
قال الإمام النووي في شرح النووي على مسلم (15/ 25)
قال القاضي واتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام وصحتها"
وقال الإمام البغوي في في "شرح السنة" (12/ 227):
"قال الإمام: رؤية الله في المنام جائزة، قال معاذ: عن النبي صلى الله عليه وسلم، "إني نعست فرأيت ربي"، وتكون رؤيته جلت قدرته ظهور العدل، والفرج، والخصب، والخير لأهل ذلك الموضع، فإن رآه فوعد له جنة، أو مغفرة، أو نجاة من النار، فقوله حق، ووعده صدق، وإن رآه ينظر إليه، فهو رحمته، وإن رآه معرضًا عنه، فهو تحذير من الذنوب، لقوله سبحانه وتعالى: {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]، وإن أعطاه شيئا من متاع الدنيا فأخذه، فهو بلاء، ومحن، وأسقام تصيب بدنه، يعظم بها أجره لا يزال يضطرب فيها حتى يؤديه إلى الرحمة، وحسن العاقبة". اهـ.
هذا؛ وممن أطال في تلك المسألة شيخ الإسلام في مواضع كثيرة من كتبه، ومنها ما قاله في كتابه "بيان تلبيس الجهمية"(1/ 326):
"... فالإنسان قد يرى ربه في المنام، ويخاطبه، فهذا حق في الرؤيا، ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه، مثل ما رأى في المنام؛ فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلًا، ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه، فإن كان إيمانه واعتقاده حقًّا، أُتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك، وإلا كان بالعكس، قال بعض المشايخ: إذا رأى العبد ربه في صورة، كانت تلك الصورة حجابًا بينه وبين الله.
وما زال الصالحون وغيرهم، يرون ربهم في المنام ويخاطبهم، وما أظن عاقلًا ينكر ذلك، فإن وجود هذا مما لا يمكن دفعه؛ إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره، وهذه مسألة معروفة، وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين، وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم، إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام؛ ولكن لعلهم قالوا: لا يجوز أن يعتقد أنه رأى ربه في المنام، فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام، ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم، نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة، كسائر ما يرى في المنام. فهذا مما يقوله المتجهمة، وهو باطل مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها؛ بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم، وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به سبحانه وتعالى، وإنما ذلك بحسب حال الرائي، وصحة إيمانه وفساده، واستقامة حاله وانحرافه.
وقول من يقول: ما خطر بالبال، أو دار في الخيال فالله بخلافه، ونحو ذلك إذا حمل على مثل هذا كان محملًا صحيحًا، فلا نعتقد أن ما تخيله الإنسان في منامه أو يقظته من الصور، أن الله في نفسه مثل ذلك، فإنه ليس هو في نفسه مثل ذلك، بل نفس الجن والملائكة، لا يتصورها الإنسان، ويتخيلها على حقيقتها، بل هي على خلاف ما يتخيله، ويتصوره في منامه ويقظته، وإن كان ما رآه مناسبًا مشابهًا لها؛ فالله تعالى أجل وأعظم". اهـ.
أما رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فتحصل لأي مسلم، وهي رؤيا حق لمن رآه على صفته التي المذكورة في كتب الشمائل؛ ففي والصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي"، وفيهما عنه "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي"
قال في "شرح السنة"(12/ 228):
"ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق، ولا يتمثل الشيطان به، وكذلك جميع الأنبياء، والملائكة عليهم السلام، وكذلك الشمس، والقمر، والنجوم المضيئة، والسحاب الذي فيه الغيث، لا يتمثل الشيطان بشيء منها"
إذا تقرر هذا؛ فيجوز تمني رؤيه الله في المنام، وكذلك رؤية الأنبياء،، والله أعلم.
- المصدر: