الاستعانة بالجن المسلم

منذ 2019-03-27

إن التعامل مع من يستعين بالجن يفضي - في الغالب - إلى أمور محرمة، قد تصل بصاحبها إلى الشرك.

السؤال:

ما هو حكم الإستعانة بالجن المسلم في كشف الكنوز وعلاج المرضى من المس والسحر؟

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فإن الاستعانة بالجن في تحصيل المنافع المباحة، محل خلاف بين أهل العلم، فمنع منه الأكثر؛ باعتبار أن السلامة من ضررهم وتأثيرهم على المستعين بهم في عقيدته وأمور دينه، متعذرة، ولِما تؤول إليه من مفاسد، قد تصل بصاحبها إلى الكفر - والعياذ بالله - ولأن الاستعانة بهم قد تكون ذريعة للشرك؛ فوجب سدها؛ فإن الجن - في معظمهم - أهل مكر وخداع وغدر بالإنسان؛ فلا يأمن المسلم أن يمكروا به، لا سيما الكفار منهم؛ لشدة عداوتهم، قال الله – تعالى -: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:6]، وحيث إن الإنسان لا يستطيع أن يفرق بين الصالح والطالح منهم في الغالب؛ فيلزمه البعد عنهم.

وقد ذكر - سبحانه وتعالى - أن الذين يعوذون بالجن من الإنس قد ازدادوا رهقًا، فقال – تعالى -: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6].

وبين خطورة الاستمتاع بالجن والاستفادة منهم، فقال – تعالى -: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:128].

قال ابن مفلح في "الآداب الشرعية": "قال أحمد - في الرجل يزعم أنه يخاطب الجن ويكلمهم ومنهم من يخدمه -: ما أحب لأحد أن يفعله، تركُه أحب إليَّ".

وسئل العلامة محمد بن إبراهيم - مفتي السعودية السابق - عن الاستعانة بالجن، فقال: "إنه طلب من الجن؛ فيدخل في سؤال الغائبين الذي يشبه سؤال الأموات، وفيه رائحة من روائح الشرك".

وقال العلامة ابن باز- مفتي السعودية السابق -: "وأما اللجوء إلى الجن فلا؛ لأنه وسيلة إلى عبادتهم وتصديقهم؛ لأن في الجن من هو كافر، ومن هو مسلم، ومن هو مبتدع، ولا تُعرف أحوالهم؛ فلا يجب الاعتماد عليهم ولا يُسألون، وقد ذم الله المشركين بقوله – تعالى -: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6]، ولأنه وسيلة للاعتقاد فيهم والشرك، وهو وسيلة لطلب النفع منهم والاستعانة بهم، فأرى أنه لا يجوز؛ لأن في ذلك استخدامًا لهم، وقد لا يخدمون إلا بتقرب إليهم، واستضعاف لهم".

وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين:

"هذا العمل ليس بجائز؛ فإن هذه الطلاسم التي يحضرون بها الجن ويستخدمونهم بها لا تخلو من شرك في الغالب، والشرك أمره خطير - قال الله تعالى -: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}[المائدة: 72]، والذي يذهب إليهم يغريهم ويغرهم، يغريهم بأنفسهم وأنهم على حق، ويغرهم بما يعطيهم من الأموال.

فالواجب مقاطعة هؤلاء، وأن يدع الإنسان الذهاب إليهم، وأن يحذر إخوانه المسلمين من الذهاب إليهم.

والغالب في أمثال هؤلاء، أنهم يحتالون على الناس، ويبْتَزُّون أموالهم بغير حق، ويقولون القول تخرصًا، ثم إن وافق القدر، أخذوا ينشرونه بين الناس، ويقولون: نحن قلنا، وصار كذا، ونحن قلنا، وصار كذا، وإن لم يوافق، ادَّعوْا دعاوَى باطلة: أنها هي التي منعت هذا الشيء.

وإني أوجه النصيحة إلى من ابتُلي بهذا الأمر، وأقول لهم: احذروا أن تمتطوا الكذب على الناس، والشرك بالله - عز وجل - وأخذ أموال الناس بالباطل؛ فإن أمد الدنيا قريب، والحساب يوم القيامة عسير، وعليكم أن تتوبوا إلى الله - تعالى - من هذا العمل، وأن تصححوا أعمالكم وتطيبوا أموالكم".

وذهب شيخ الإسلام ابن تيميَّة إلى جواز استعمال الجن في الأمور المباحة.

ولكننا نقول للسائل: إن التعامل مع من يستعين بالجن يفضي - في الغالب - إلى أمور محرمة، قد تصل بصاحبها إلى الشرك.

ويتأكد هذا إذا كان من يستعين بهم، لا دراية له بأحوالهم، أو إيمانه ضعيف، وغير ذلك. فننصحك بالبعد عن مثل هؤلاء؛ لِما فيه من مخاطر عظيمة، وشرور جسيمة، فضلًا عن أنه عالَمُ غيب لا يمكن أن يتميز فيه المؤمن من الكافر، ولا الصادق من الكاذب - وفي كثير من الأحيان - تكون عاقبة من يتعامل مع الجن وخيمة،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 24
  • 2
  • 76,517

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً