هل نرى الكفار و هم يعذبون فى النار

منذ 2019-06-23
السؤال:

هل نرى اعداء الاسلام و المسلمين و الكفار و المنافقين و هم يعذبون فى النار و نحن فى الجنة؟ هناك الكثير من الكفار الحاليين اكرههم لمحاربتهم الاسلام فهل يمكننى ان اراهم فى اى وقت اريد و انا فى الجنة لكى افرح و يشفى صدرى

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن من حكمة الله تعالى أن يسلط أعداءه من الكفار والمنافقين على المسلمين، إذا أظهر الناس ما نهاهم الله ورسوله عنه من الذنوب والكبائر، والمسلم يعلم أنه ما من كبيرة إلا ظهرت في بلاد المسلمين، من القتل الزنا وشرب المخدرات والربا، وفجور النساء، وفتنة سماع الغناء والمعازف حتى قال الإمام ابن القيم في كتابه "مدارج السالكين" (1/ 496):

"... وعرفنا بالتجارب أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم، وفشت فيهم، واشتغلوا بها، إلا سلط الله عليهم العدو، وبلوا بالقحط والجدب وولاة السوء، والعاقل يتأمل أحوال العالم وينظر والله المستعان".

أما شفاء صدور المؤمنين من رؤية أعداء الله المجرمين في الآخرة، فقد نطق به كتاب الله العزيز، فبعد أن ذكر سبحانه وتعالى أن أعداء الإسلام كانوا يضحكون من المؤمنين، ويستهزئون بهم ويحتقرونهم وهم في غاية الاغترار، والإساءة والأمن في الدنيا: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ* وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ* وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ* وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين: 29 – 32].

ثم ذكر سبحانه تعالى حال المؤمنين في الآخرة من أعدائهم وهم يرونهم في غمرات العذاب، وقد ذهب عنهم ما كانوا يفترون، والمؤمنون في غاية الراحة والطمأنينة، فيضحك المؤمنون منهم حينما يرونهم في العذاب والنكال، والله يجازيهم من جنس عملهم، عدلاً منه وحكمة، والله عليم حكيم؛: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ* عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ* هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين: 34 - 36]، أي في مقابلة ما ضحك بهم أولئك، على الأرائك ينظرون إلى الله عز وجل، فهم من أولياء الله المقربين، ينظرون إلى ربهم في دار كرامته.

 كما قال الله تعالى: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ* إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ* فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ* إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 108 - 111].

قال صاحب الظلال:

"... اليوم والكفار محجبون عن ربهم، يقاسون ألم هذا الحجاب الذي تهدر معه إنسانيتهم، فيصلون الجحيم، مع الترذيل والتأنيب حيث يقال: {هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}، اليوم والذين آمنوا على الأرائك ينظرون في ذلك النعيم المقيم، وهم يتناولون الرحيق المختوم بالمسك الممزوج بالتسنيم، {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ}.

والقرآن يتوجه بالسخرية العالية مرة أخرى وهو يسأل: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ}، أجل! هل ثوبوا؟ هل وجدوا ثواب ما فعلوا؟ وهم لم يجدوا "الثواب" المعروف من الكلمة، فنحن نشهدهم اللحظة في الجحيم! ولكنهم من غير شك لاقوا جزاء ما فعلوا، فهو ثوابهم إذن، وبالسخرية الكامنة في كلمة الثواب في هذا المقام!

ونقف لحظة أمام هذا المشهد الذي يطيل القرآن عرض مناظره وحركاته، مشهد سخرية الذين أجرموا من الذين آمنوا في الدنيا، كما أطال من قبل في عرض مشهد نعيم الأبرار وعرض مناظره ومناعمه-: فنجد أن هذه الإطالة من الناحية التأثيرية فن عال في الأداء التعبيري، كما أنه فن عال في العلاج الشعوري؛ فقد كانت القلة المسلمة في مكة تلاقي من عنت المشركين وأذاهم ما يفعل في النفس البشرية بعنف وعمق، وكان ربهم لا يتركهم بلا عون، من تثبيته وتسريته وتأسيته.

وهذا التصوير المفصل لمواجعهم من أذى المشركين، فيه بلسم لقلوبهم؛ فربهم هو الذي يصف هذه المواجع، فهو يراها، وهو لا يهملها - وإن أمهل الكافرين حينًا - وهذا وحده يكفي قلب المؤمن، ويمسح على آلامه وجراحه؛ إن الله يرى كيف يسخر منهم الساخرون، وكيف يؤذيهم المجرمون، وكيف يتفكه بآلامهم ومواجعهم المتفكهون، وكيف لا يتلوم هؤلاء السفلة ولا يندمون!

إن ربهم يرى هذا كله، ويصفه في تنزيله، فهو إذن شيء في ميزانه؛ وهذا يكفي! نعم هذا يكفي حين تستشعره القلوب المؤمنة مهما كانت مجروحة موجوعة.

ثم إن ربهم يسخر من المجرمين سخرية رفيعة عالية فيها تلميح موجع، قد لا تحسه قلوب المجرمين المطموسة المغطاة بالرين المطبق عليها من الذنوب، ولكن قلوب المؤمنين الحساسة المرهفة، تحسه وتقدره، وتستريح إليه وتستنيم!

ثم إن هذه القلوب المؤمنة تشهد حالها عند ربها، ونعيمها في جناته، وكرامتها في الملأ الأعلى، على حين تشهد حال أعدائها ومهانتهم في الملأ الأعلى وعذابهم في الجحيم، مع الإهانة والترذيل، تشهد هذا وذلك في تفصيل وفي تطويل، وهي تستشعر حالها وتتذوقه تذوق الواقع اليقين.

وما من شك أن هذا التذوق يمسح على مرارة ما هي فيه من أذى وسخرية وقلة وضعف، وقد يبلغ في بعض القلوب أن تتبدل هذه المرارة فيها بالفعل حلاوة، وهي تشهد هذه المشاهد في ذلك القول الكريم.

ومما يلاحظ أن هذا كان هو وحده التسلية الإلهية للمؤمنين المعذبين المألومين من وسائل المجرمين الخسيسة، وأذاهم البالغ، وسخريتهم اللئيمة: الجنة للمؤمنين، والجحيم للكافرين، وتبديل الحالين بين الدنيا والآخرة تمام التبديل، وهذا كان وحده الذي وعد به النبي- صلى الله عليه وسلم- المبايعين له وهم يبذلون الأموال والنفوس! فأما النصر في الدنيا، والغلب في الأرض، فلم يكن أبدا في مكة يذكر في القرآن المكي في معرض التسرية والتثبيت".

هذا؛ والله تعالى أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 10
  • 2
  • 11,126

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً