تحرير مسألة تجديد عقد النكاح عند ارتداد أحد الزوجين
فإذا ارتد أحد الزوجين كان النكاح موقوفًا على عودته للإسلام، فإن أسلم عاد بغير تجديد عقد الزواج.
السلام عليكم ارجو من حضرتكم ان تفتوني في هذه القضية وتجيبوني عن اسءلتي امراة تزوجت قبل ستتة أشهر وحصلت لها «ردة» اي فعل فعلا كفريا ضعفت نفسها حتى فعلت هدا والعياذ بالله. نسأل الله السلامة. حصلت له الردة بعد زواجه وحين تبين من ردته « بعد عدة زوجته» تاب إلي الله وسأل عن حكم الأخذ بقول ابن تيمية بعدم فسخ نكاح المرتد لأنه خاف من رد فعل زوجها حين يعلمون انه يجب بتجديد عقد النكاح فأفتي بأنه لا بأس بالأخذ برأي ابن تيمية دفعا للحرج ولتحقيق مصلحة.فأخذ بذالك مستندا علي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه «رَدَّ زَيْنَبَ إِلَى أَبِي الْعَاصِ بِنِكَاحِهَا الأَوَّلِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ » وإلي كلام إبن تيمية وابن القيم ومارجحه إبن عثيمين رحمهم الله وبعد ان اخد بهدا الراي ضعفت نفسه مرة اخرى وفعل فعلا مكفرا مرة اخرى فما حكم من ااخد بهدا الراي اكتر من مرتين ؟ ومادا يجب على اخد بهدا الراي وبعد مرور مدة من الزمن ترجح عنده انفساخ العقد يعني هل يجب عليه تجديد العقد بعد ان ترجح عنده انفساخ العقد ام مادام اخد بالراي الاول فلا يجب عليه تجديده بعد ان ترجح لديه الراي الاخر
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد دلت السنة المتواترة على أن الزوجة إذا كانت مسلمة وزوجها كافر، سواء كان كافرًا أصليًا، أو ارتدّ-: أن النكاح موقوف، فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهي زوجته، وإن انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت، وإن أحبت انتظرته، وإذا أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح، وعدتها حيضة واحدة لاستبراء الرحم، أو وضع الحمل إن كانت حاملاً.
فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم رد زينب على أبى العاص بالنكاح الأول"، وله شواهد فروى ابن سعد عن عامر قال: " قدم أبو العاص بن الربيع من الشام وقد أسلمت امرأته زينب مع أبيها وهاجرت، ثم أسلم بعد ذلك، وما فرق بينهما"، وهو مرسل صحيح، وعن قتادة: " أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحت أبى العاص بن الربيع، فهاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم زوجها، فهاجر إلى رسول الله فردها عليه".
قال الإمام ابن القيم في كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد" (5/ 125-127):
"ولا يعرف اعتبار العدة في شيء من الأحاديث، ولا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أم لا، ولا ريب أن الإسلام لو كان بمجرده فرقة لم تكن فرقة رجعية بل بائنة، فلا أثر للعدة في بقاء النكاح وإنما أثرها في منع نكاحها للغير، فلو كان الإسلام قد نجَّز الفرقة بينهما لم يكن أحق بها في العدة، ولكن الذي دل عليه حكمه صلى الله عليه وسلم أن النكاح موقوف، فإن أسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته، وإن انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت، وإن أحبت انتظرته فإن أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد النكاح.
ولا نعلم أحدًا جدد للإسلام نكاحه البتة، بل كان الواقع أحد أمرين: إما افتراقهما ونكاحها غيره، وإما بقاؤها عليه وإن تأخر إسلامها أو إسلامه، وإما تنجيز الفرقة أو مراعاة العدة، فلا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بواحدة منهما، مع كثرة من أسلم في عهده من الرجال وأزواجهن، وقرب إسلام أحد الزوجين من الآخر وبعده منه، ولولا إقراره صلى الله عليه وسلم الزوجين على نكاحهما وإن تأخر إسلام أحدهما عن الآخر بعد صلح الحديبية وزمن الفتح لقلنا بتعجيل الفرقة بالإسلام من غير اعتبار عدة؛ لقوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] ، وقوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، وأن الإسلام سبب الفرقة وكل ما كان سببًا للفرقة تعقبه الفرقة كالرضاع والخلع والطلاق، وهذا اختيار الخلال وأبي بكر صاحبه وابن المنذر وابن حزم وهو مذهب الحسن وطاووس وعكرمة وقتادة والحكم.
قال ابن حزم: وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وبه قال حماد بن زيد، والحكم بن عتيبة، وسعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز، وعدي بن عدي الكندي والشعبي، وغيرهم.
قلت: وهو أحد الروايتين عن أحمد، ولكن الذي أنزل عليه قوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، وقوله: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، لم يحكم بتعجيل الفرقة؛ فروى مالك في "موطئه" عن ابن شهاب قال: "كان بين إسلام صفوان بن أمية وبين إسلام امرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو من شهر، أسلمت يوم الفتح وبقي صفوان حتى شهد حنينًا والطائف وهو كافر، ثم أسلم ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح"، وقال ابن عبد البر وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده.
وقال ابن شهاب: أسلمت أم حكيم يوم الفتح، وهرب زوجها عكرمة حتى أتى اليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم وقدم فبايع النبي صلى الله عليه وسلم، فبقيا على نكاحهما.
ومن المعلوم يقينًا أن أبا سفيان بن حرب خرج فأسلم عام الفتح قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة، ولم تسلم هند امرأته حتى فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فبقيا على نكاحهما.
وأسلم حكيم بن حزام قبل امرأته، وخرج أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية عام الفتح، فلقيا النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء، فأسلما قبل منكوحتيهما، فبقيا على نكاحهما، ولم يُعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين أحد ممن أسلم وبين امرأته.
وجواب من أجاب بتجديد نكاح من أسلم في غاية البطلان، ومن القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا علم، واتفاق الزوجين في التلفظ بكلمة الإسلام معًا في لحظة واحدة معلوم الانتفاء".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (32/ 338)
"إذا أسلمت المرأة حيل بينها وبين زوجها، فإن أسلم قبل أن يتعلق بها حق غيره، فهو كما لو أسلم قبل أن يباع رقيقه، فهو أحق بهم؛ والدوام أقوى من الابتداء؛ ولأن القول بتعجيل الفرقة خلاف المعلوم بالتواتر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقول بالتوقف على انقضاء العدة أيضًا كذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت ذلك فيمن أسلم على عهده من النساء والرجال، مع كثرة ذلك؛ ولأنه لا مناسبة بين العدة وبين استحقاقها بإسلام أحدهما.
وقياس ذلك على الرجعة من أبطل القياس من وجوه كثيرة".
إذا تقرر هذا؛ فإذا ارتد أحد الزوجين كان النكاح موقوفًا على عودته للإسلام، فإن أسلم عاد بغير تجديد عقد الزواج،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: