متى تصبح المعصية كفرًا؟
فإما أن يكون مؤمنًا بتحريمه أو لا يكون، فإن كان مؤمنًا بتحريمه فاعلاً له، فقد جمع بين أداء واجب وفعل محرم، فصار له حسنة وسيئة، والكلام إنما هو فيما لا يعذر بترك الإيمان بوجوبه وتحريمه من الأمور المتواترة.
متى يمكن ان تصبح المعصية كفرا وما هي الاشياء التي يمكن ان تجعل المعصية كفرا اذا اقترنت بها و كيف استطيع التفرقة بين المعاصي والمكفرات علما انني مصابة بوسواس شديد في كل ما هو متعلق بما يمكن ان يخرج من الملة وتأتيني نوبات رعب وهلع و اكنئاب و قلق قوية وشبه دائمة بسبب فكرة احتمال انني يمكن ان اقع في الكفر في اي لحظة واموت على ذلك واخلد في جهنم فأرجو منكم بشدة التوضيح لاخراجي من هذه الدوامة , مثلا هل من يجاهر يالمعصية ويرتكبها بتفاخر ويعين ويشجع عليها ويحبها ولا يمانع اذا عمت كافر ,انا لا اقوم بذلك ولاكن اسئل لكي ارفع كل الشبهات التي تطرأ علي, ولا اسئل عن الحكم في الدنيا بل في الاخرة هل من يفعل هذا يعد كافر عند الله, هل يمكن ان تصبح المعصية كفر اذا قارنها محبة واصرار وعدم الرغبة في الخلاص منها او التوبة منها وزوال استقباحها مثلا اذا كان شخص يشاهد الافلام التي لا تحترم المحاذير الشرعية التي تحتوي مخالفات و مدح الحرام وطمس الحلال ومعتقدات شركية وكفرية وهو مقر بانها معصية وحرام ويقوم بالاستغفار عليها وهو يعتقد بطلانها ولا يتاثر بها من اي جانب ولكنه يحبها كثيرا ويشاهدها كثيرا ويحب الاحداث والشخصيات كثيرا، وهل تدخل مشاهدتها في الجلوس في مجالس الكفر اي ؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن معتقد أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون بكل ذنب كما تفعله الخوارج، فنفوا عموم التكفير بكل ذنب؛ وإنما يكون التكفير ببعض الذنوب التي ورد الدليل على أنها كفر، ولا يحكم الأئمة على أحد بالكفر إلا أن يظهر منه ما يوجب الردة، فمتى ظهر منه ما يوجب الردة حكم عليه تعييناً إذا توفرت الشروط، وانتفت الموانع.
ولا خلاف بين المسلمين أن من أظهر إنكار الواجبات الظاهرة، أو المحرمات الظاهرة، أنه يستتاب، فإن تاب وإلا كان مرتداً، أما إذا فعل شيئاً من الكبائر غير مستحلٍّ لها، فلا يكفر عند أهل السُّنَّة، وإن مات من غير توبة فأمرُه إلى الله، إن شاء عذَّبه، وإن شاء عفا عنه
وقد بين تلك القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع كثيرة من كتبه، منها ما قاله في كتابه "مجموع الفتاوى (20/ -90-93):
"قد تقرر من مذهب أهل السنة والجماعة ما دل عليه الكتاب والسنة أنهم لا يكفرون أحدًا من أهل القبلة بذنب، ولا يخرجونه من الإسلام بعمل إذا كان فِعلاً منهيًا عنه؛ مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر؛ ما لم يتضمن ترك الإيمان، وأما إن تضمن ترك ما أمر الله بالإيمان به، مثل: الإيمان بالله وملائكته؛ وكتبه ورسله؛ والبعث بعد الموت، فإنه يكفر به، وكذلك يكفر بعدم اعتقاد وجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وعدم تحريم الحرمات الظاهرة المتواترة...
وكذلك المحرَّم إذا فعله، فإما أن يكون مؤمنًا بتحريمه أو لا يكون، فإن كان مؤمنًا بتحريمه فاعلاً له، فقد جمع بين أداء واجب وفعل محرم، فصار له حسنة وسيئة، والكلام إنما هو فيما لا يعذر بترك الإيمان بوجوبه وتحريمه من الأمور المتواترة، وأما من لم يعتقد ذلك فيما فعله أو تركه بتأويل أو جهل يعذر به؛ فالكلام في تركه هذا الاعتقاد كالكلام فيما فعله أو تركه بتأويل أو جهل يعذر به.
وأما كون ترك الإيمان بهذه الشرائع كفرًا؛ وفعل المحرم المجرد ليس كفرًا: فهذا مقرر في موضعه وقد دل على ذلك كتاب الله في قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]، إذ الإقرار بها مراد بالاتفاق؛ وفي ترك الفعل نزاع.
وكذلك قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]، فإن عدم الإيمان بوجوبه وتركه كفر، والإيمان بوجوبه وفعله يجب أن يكون مرادًا من هذا النص، كما قال من قال من السلف: هو من لا يرى حجه برًا ولا تركه إثمًا، وأما الترك المجرد ففيه نزاع.
وأيضا حديث أبي بردة بن نيار لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى من تزوج امرأة أبيه فأمره أن يضرب عنقه ويخمس ماله، فإن تخميس المال دل على أنه كان كافرًا لا فاسقًا، وكفره بأنه لم يحرم ما حرم الله ورسوله.
وكذلك الصحابة مثل عمر وعلي وغيرهما، لما شرب الخمر قدامة بن مظعون وكان بدريًا؛ وتأول أنها تباح للمؤمنين المصلحين وأنه منهم؛ بقوله {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة: 93] الآيةَ، فاتفق الصحابة على أنه إن أصرّ قتل، وإن تاب جلد فتاب فجلد.
وأما الذنوب ففي القرآن قطع يد السارق وجلد الزاني؛ ولم يحكم بكفرهم وكذلك فيه اقتتال الطائفتين مع بغي إحداهما على الأخرى، والشهادة لهما بالإيمان والأخوة، وكذلك فيه قاتل النفس الذي يجب عليه القصاص جعله أخًا؛ وقد قال الله فيه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178]، فسماه أخًا وهو قاتل. وقد ثبت في الصحيحين حديث أبي ذر لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل: "من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؛ وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر على رغم أنف أبي ذر"، وثبت في الصحاح حديث أبي سعيد وغيره في الشفاعة في أهل الكبائر وقوله: "أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال برة من إيمان، مثقال حبة من إيمان، مثقال ذرة من إيمان"، فهذه النصوص كما دلت على أن ذا الكبيرة لا يكفر مع الإيمان، وأنه يخرج من النار بالشفاعة خلافًا للمبتدعة من الخوارج في الأولى، ولهم وللمعتزلة في الثانية نزاع: فقد دلت على أن الإيمان الذي خرجوا به من النار هو حسنة مأمور بها، وأنه لا يقاومها شيء من الذنوب". اهـ. مختصرًا.
فإذا تقرر هذا، فمشاهدة المسلسلات أو ما أشبهها من الذنوب، لا يكفر بفعلها؛ لأنها معصية، ما دام المسلم مقراً بحرمتها.
فإن كانت تشتمل على معتقدات كافرة، فلا يكفر أيضًا ما دام يكرهها بقلبه، ولكن يجب الكف عن مشاهدتها، والبحث عن وسائل مباحة للترفيه.
هذا؛ ويوجد على موقعنا فتاوى كثيرة لعلاج الوسوسة ينصح بمراجعتها،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: